ونسخ وحصَّل الْأُصول، وجمع وصنَّف، وأفاد، وحدَّث نحوًا من ستين سنة، وكان ثِقَةً حُجَّة، عارفًا دَينًا، عفيفًا.
حدث عنه: ابن الدُّبَيثي، وابن نُقْطَة، وابن النَّجَّار، والضِّيَاء، والبِرْزَالي، وابن خليل، والفقيه يحيى بن الصَّيرفي، والنجيب عبد اللطيف، والنجيب مقداد القَيسي، وخَلْقٌ سواهم.
قال الدُّبَيثي: لم أَرَ في شيوخِنا أوفر شيوخًا منه، ولا أغزر سماعًا، حدَّث بجامع القَصْر دَهْرًا.
وقال ابنُ النَّجَّار: بالغ شَيخُنا أبو محمد حتى قرأ على شيوخنا، وصنَّف في كلِّ فن، وكانت له حَلْقَةٌ بجامع القَصْر يقرأ بها كلَّ جُمُعة بعد الصَّلاة، وكان أول سماعه في سنة ثلاثين بإفادة أبيه، وأبي الحسن بن بكروس (١)، كتَبَ لنفسه، وتوريقًا للنَّاس في شبابه، وكان له حانوت للبَزِّ بخان الخليفة، كنت أقرأ عليه به، حدَّث بجميع مروياته، سمع منه عُمر بنُ علي القُرَشي، وكَتَبَ عنه في "معجمه"، وكان ثِقَةً حُجَّةً نبيلًا، ما رأيت في شيوخنا سَفَرًا ولا حَضَرًا مِثْلَه في كَثْرة مسموعاته، ومعرفته بمشايخه، وحُسْنِ أُصوله وحِفْظه وإتقانه، وكان أمينًا، ثخين السِّتْر، متديِّنًا عفيفًا، أُريد على أن يشهدَ عند القُضَاة؛ فامتنع، وكان من أَحْسَنِ الناس خُلُقًا، وألطفهم طبعًا، من محاسن البغداديين وَظِرَافهم، ما يَمَلّ جليسه منه.
(١) في "تذكرة الحفاظ": ٤/ ١٣٨٤ "بكردوس"، وفي "معجم البلدان": ٢/ ١٦٥ "علي بن بكتاش".