هارون الجزائري يقول: سمعت الشيخ محمداً القرمي ببيت المقدس يقول: كنت يوماً في خلوة, فسألت الله تعالي أن يبعث لي قميصاً على يد وليّ من أوليائه, فإذا بالشيخ إبراهيم ومعه قميص فقال: أعطوا هذا القميص للشيخ, وانصرف من ساعته.
ثم إن الشيخ تحوّل من غزة إلي القاهرة بعد الكائنة العظمي بدمشق فسكنها, وسكن بمصر علي شاطئ النيل, وتقدّم عند الناصر حتى كان لا يخرج إلي الأسفار إلاّ بعد أن يأخذ له الطالع, فنقم عليه الملك المؤيّد ذلك, فنالته محنة في أوائل دولته, ثم أعرض عنه إلي أن مات في ثاني عشري ذي الحجّة سنة ست عشرة وثمانمائة.
وأول ما اجتمعتُ به سنة تسع وتسعين فسمعت من نظمه وفوائده. ثم اجتمعت به بغزة قبل تحوّله إلي القاهرة, وسمعت من نظمه أيضاً وفوائده. ثم كثر اجتماعنا بعد سكناه القاهرة. وقد حجّ وجاور, وأجاز لي رواية نظمه وتصانيفه منها:
١٢٩٢ - "القصيدة التائية في صفة الأرض وما احتوت" كانت أولاً خمس مائة بيت ثم زاد فيها إلي أن جاوزت خمسة آلاف.
وكان ماهراً في استحضار الحكايات والماجريات في الحال, ماهراً في النظم والنثر, عالماً بالأوفاق, وكان يخضب بالسواد, ثم أطلق قبل موته بثلاث سنين, أنشدني لنفسه من قصدة نبوية:
غُصن بانٍ بطيبةَ ... في حشا الصَّبِّ راسخ
من صِباي هويتُه ... وأنا لآن شائِخ
قمرُ لاح نُورهُ ... فاستضاءت فراسخ
عجباً كيف لم يكن ... كاتباً وهُو ناسخ
ذُللت حين بعثه ... من قريش شوامخ
أسدٌ سيفُ دينهِ ... ذابح الشرك شالخ
فاتحٌ مطلبَ الهدى ... وعلي الشرك صارخ
ومُسبِّحٌ بحقِّه طا ... ئرُ القلب نافخ