ولد في شوال سنة تسع وستين [وسبعمائة]، سمعت ذلك منه مرارا. ونشأ بعد موت أبيه في سنة ست وسبعين في كنف أخواله إلى أن ولي قضاء بلده سنة ست وتسعين، ثم ولي كتابة السر بها بعد ذلك.
وتنقلت به الأحوال إلى أن اتصل بالملك المؤيد قبل أن يلي السلطنة بثلاث سنين، فلازمه، وراج عليه، وباشر قضاء حلب لما كان المذكور نائبا بها، ثم وصل معه إلى الديار المصرية، وباشر له التوقيع قبل السلطنة، ثم فوض إليه كتابة السر بعد أن تسلطن بثلاثة أشهر في شوال سنة خمس عشرة فباشرها بوجه طلق، جاهٍ مبذول إلا أنه في أواخر أمره أفحش في الارتشاء علي الوظائف، وكان شديد العصبية لأصحابه، والأذيّة لأعدائه كما قيل:
فتى كان فيه ما يسر صديقه علي أن فيه ما يسوء الأعاديا
توعك في أوائل رمضان، واستمر إلى أن مات بعلة الصرع في ثامن شوال سنة ثلاث وعشرين [وثمانمائة]، وظهرت له أموال عظيمة احتاط السلطان على معظمها.
وكان يتوقد ذكاء مع بعد عهده بالاشتغال والمطالعة، يستحضر كثيرا من محفوظاته الفقهية والأدبية وغيرها، وينشد القصيدة الطويلة التي حفظها من عشرين سنة لا يتلعثم فيها حفظه. أنشدني لنفسه:
طاب افتضاحي في هواه محاربا فلهوت عن علمي وعن آدابي
وبذكره عند الصلاة واسمه أشدو فواطرباه في المحراب
وأنشدني لنفسه ما نظمه لما اعتقل ببرج الخيالة بدمشق:
مذ ببرج الخيالة اعتقلوني صحت والنفس بالهوى سيالة
يا لقومي ويا لأنصاري الغـ ـرويال للرجال للخيالة
وأنشدني كثيرا لنفسه ولغيره. ولم أر لأبناء جنسه من بجري مجراه، والله المسئول أن يعفو عنه بمنه.