بَعْضِ السَّنَةِ كَالسَّلَمِ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ لَا يَصْلُحُ السَّلَمُ فِي ثَمَرِهَا إلَّا إذَا أَزْهَى، وَيُشْتَرَطُ أَخْذُهُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَخْذُهُ تَمْرًا لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرْيَةَ غَيْرُ مَأْمُونَةٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَجُوزُ هُنَا تَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْحَائِطِ بِعَيْنِهِ.
قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ فِيهَا ثَمَرٌ وَلَا يَدْخُلُهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ جُمْلَةَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعُوا. ابْنُ يُونُسَ: فَهُوَ فِي هَذَا كَالسَّلَمِ فِي الْقُرَى الْكِبَارِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَبْيَنُ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُسْلَمُ لِمَنْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا. ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ وَإِلَّا كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ ثَمَرَةً لِغَيْرِهِ وَاشْتَرَطَ تَخْلِيصَهَا اهـ.
وَانْظُرْ إذَا أَثْمَرَ قَبْلَ أَخْذِ جَمِيعِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بَقِيَّتَهُ تَمْرًا لِأَنَّهُ بَيْعُ رُطَبٍ بِتَمْرٍ، وَانْظُرْ هُنَا أَيْضًا مَنَعُوا مِنْ شِرَاءِ ثَمَرِ الْحَائِطِ كَيْلًا عَلَى تَرْكِهِ حَتَّى يَصِيرَ تَمْرًا، وَأَجَازُوا شِرَاءَ الْجَمِيعِ جُزَافًا عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ ضَمَانُ الْمَكِيلِ مِنْ بَائِعِهِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَالْجُزَافُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ إلَّا ضَمَانَ الْجَائِحَةِ، فَكَانَ الْغَرَرُ فِي الْجُزَافِ يَسِيرًا وَفِي الْكَيْلِ كَثِيرًا.
وَتَعَقَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا التَّعْلِيلَ وَلِابْنِ أَبِي زَيْدٍ مَا نَصُّهُ: مِنْ الْغَرَرِ شِرَاءُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَهُ إلَّا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، وَكَأَنَّهُ زَادَهُ فِي الثَّمَنِ لِيَضْمَنَهُ إلَّا مَا لَهُ وَجْهٌ وَلَهُمَا بِهِ عُذْرٌ كَدَارٍ يَبِيعُهَا وَيَسْتَثْنِي سُكْنَاهَا شَهْرًا، أَوْ زَرْعٍ عَلَى الْكَيْلِ وَقَدْ يَبِسَ وَيَتَأَخَّرُ حَصَادُهُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ تَمْرٍ قَدْ طَابَ وَيَتَأَخَّرُ جِدَادُهُ مِثْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ صُوفِ الْغَنَمِ. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكَوْنُهُ دَيْنًا " (وَإِنْ انْقَطَعَ مَا لَهُ إبَّانٌ أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ وَالْإِبْقَاءِ وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِالْمُحَاسَبَةِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ " وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ انْقَطَعَ مَا لَهُ إبَّانٌ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ فَسِتَّةُ أَقْوَالٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا انْقَطَعَ ثَمَرُ الْحَائِطِ الْمُعَيَّنُ الْمُسْلَمُ فِي مَكِيلِهِ مِنْهُ أَنَّهُ يُفْسَخُ وَيَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ ثَمَرًا أَوْ مَا أَحَبَّ، وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ سَلَمًا مَضْمُونًا فِي رُطَبِ قَرْيَةٍ مَأْمُونَةٍ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا أُجِيحَ الثَّمَرُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَتَأَخَّرُ إلَى ثَمَرَةِ قَابِلٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ طَلَبَ التَّأْخِيرَ مِنْهُمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى الْمُحَاسَبَةِ.
وَعَنْ ابْن الْقَاسِمِ أَيْضًا ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ السَّلَمُ إنْ شَاءَ أَخَّرَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِبَقِيَّةِ رَأْسِ مَالِهِ نَقْدًا. قَالَ: وَفَسْخُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا أُخَرَ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَجْمُوعُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تِسْعَةٌ. وَأَمَّا إذَا سَلِمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا أُجِيحَ ثَمَرُهَا انْفَسَخَ ذَلِكَ السَّلَمُ وَلَا يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ إلَى قَابِلٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute