الْقَارِئِ عَلَى الْقَارِئِ يَعْنِي الْعُلَمَاءَ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ تَحَاسُدًا.
وَقَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَشَهَادَةُ ذَوِي الْقَبُولِ مِنْهُمْ مَقْبُولَةٌ بَيْنَهُمْ كَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَانْظُرْ كَثِيرًا مَا يَكُونُ هَذَا التَّغَايُرُ فِي خِلَافِهِمْ فِي تَحْقِيقِ الْمُنَاظَرَاتِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَطِعَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ أَبَدًا، فَانْظُرْ كَيْفَ اخْتَلَفَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ قَبُولِهِمْ حَدِيثَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا» الْحَدِيثَ.
وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ لِلْأَوْلِيَاءِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ. ذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ الْمَعَارِجِ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إنْكَارُ الْقَوْمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْكُمَ بِحَالِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي إحْيَائِهِ: وَلِذَلِكَ تَخْتَلِفُ أَجْوِبَتُهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ تَاجِ الدِّينِ: تَنَوَّعَتْ أَجْنَاسُ الْأَعْمَالِ لِتَنَوُّعِ وَارِدَاتِ الْأَحْوَالِ، وَوَارِدَاتُ الْأَحْوَالِ مَا يَرِدُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْمَعَارِفِ، فَقَدْ يَكُونُ وَارِدٌ يُرِيدُ قَبْضًا وَآخَرُ يُرِيدُ بَسْطًا أَوْ هِبَةً أَوْ أُنْسًا أَوْ رَجَاءً أَوْ خَوْفًا. وَانْظُرْ قَضِيَّةَ يَحْيَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - حِينَ الْتَقَيَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: كَأَنَّك آمِنٌ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ.
وَقَالَ الْآخَرُ لَهُ: وَأَنْتَ كَأَنَّك آمِنٌ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ. فَتَنَوَّعَ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِمَا لِتَنَوُّعِ وَارِدَاتِ أَحْوَالِهِمَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَادِقٌ بِنِسْبَةٍ، فَبِهَذَا يَجِبُ تَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْجَمِيعِ وَلَا نَسْمَعُ كَلَامَ الْبَعْضِ فِي الْبَعْضِ لِأَجْلِ غَيْرَتِهِمْ عَلَى الدِّينِ لَا تَحَاسُدِهِمْ.
(وَلَا إنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ) سَحْنُونَ: مَنْ قَبِلَ الْجَوَائِزَ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ كَانَتْ مِنْهُ الزَّلَّةُ وَالْفَلْتَةُ فَغَيْرُ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْخَفِيفَ مِنْ الزَّلَّةِ وَالْفَلْتَةِ لَا يَضُرُّ فِي الْعَدَالَةِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُمْ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ.
وَأَمَّا جَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ فَجَائِزَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا لِاجْتِمَاعِ الْخَلْقِ عَلَى قَبُولِ الْعَطِيَّةِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مِمَّنْ يَرْضَى مِنْهُمْ وَمِمَّنْ لَا يَرْضَى وَمَا يَظْلِمُ فِيهِ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ " قَبُولُهُ مِنْ الْعُمَّالِ جُرْحَةٌ " وَمَعْنَاهُ عِنْدِي عُمَّالُ الْجِبَايَةِ الَّذِينَ إنَّمَا جُعِلَ لَهُمْ قَبْضُ الْأَمْوَالِ وَتَحْصِيلُهَا دُونَ وَضْعِهَا فِي وُجُوهِهَا بِالِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ فَوَّضَ لَهُمْ الْخَلِيفَةُ أَوْ خَلِيفَتُهُ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَصَرْفَهَا فِي وُجُوهِهَا بِاجْتِهَادِهِمْ كَالْحُجَّاجِ وَشَبَهِهِ مِنْ أُمَرَاءِ الْبِلَادِ الْمُفَوَّضِ جَمِيعَ الْأُمُورِ فِيهَا إلَيْهِمْ فَجَوَائِزُهُمْ كَجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ.
وَأَمَّا الْقُضَاةُ وَالْأَجْنَادُ وَالْحُكَّامُ فَلَهُمْ أَخْذُ أَرْزَاقِهِمْ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute