وَإِنْ كَانَ الْمُجْبَى حَلَالًا لَكِنْ لَمْ يَعْدِلْ فِي قَسْمِهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجَائِزَةِ مِنْهُمْ، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ شَابَ الْمُجْبَى حَلَالٌ وَحَرَامٌ فَالْأَكْثَرُ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَخْذِ مِنْهُ، مِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُجْبَى حَرَامًا فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَ أَخْذَ الْجَائِزَةِ وَالرِّزْقِ عَلَى عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ مِنْهُمْ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ.
اهـ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ. وَاَلَّذِي نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فِي جَامِعِهِ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنَّ مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَحَدًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ أَنْتَ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْفَعَ فِي الشِّقْصِ الْمُشْتَرَى بِالْمَالِ الْحَرَامِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَبُولِ هِبَةِ هَذَا الْمُشْتَرِي بِالْمَالِ الْحَرَامِ وَمَعَ كَوْنِ مُشْتَرِيه مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ، فَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ صَدَقَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَجَازَ قَبُولَ هَذَا الْمُشْتَرَى هِبَةً. ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالُ مَا اشْتَرَوْهُ فِي الْأَسْوَاقِ فَأَهْدَوْهُ لِرَجُلٍ طَابَ لِلْمُهْدَى لَهُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْحَرَامَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَالْمُهْدِي فَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْتَهُ دَنَانِيرَ فَابْتَاعَ بِهَا سِلْعَةً فَلَيْسَ لَك أَخْذُهَا، إنَّمَا لَك أَخْذُ دَنَانِيرِك، وَفِيهَا: إنْ غَصَبَ دَنَانِيرَ فَاشْتَرَى بِهَا شِقْصًا كَانَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّهَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ غَرِمَ مِثْلَهَا وَلَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ، وَانْظُرْ ابْنَ بَطَّالٍ مِنْ الْجَنَائِزِ، وَنُقِلَ عَنْ الطَّبَرِيِّ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِيَدِهِ مَالٌ لَا يَدْرِي مِنْ حَرَامٍ كَسَبَهُ أَوْ مِنْ حَلَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِمَنْ أُعْطِيَهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَعْلَمَهُ حَرَامًا بِعَيْنِهِ.
قَالَ: وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَمَنْ كَرِهَهُ فَإِنَّمَا رَكِبَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَ الْوَرَعِ وَتَجَنُّبِ الشُّبُهَاتِ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيِّنًا غَيْرَ مُشْكِلٍ. وَنَحْوُ هَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ. وَانْظُرْ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ: جَوَائِزُ السُّلْطَانِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمُنُّونَ وَالْإِخْوَانُ يَمُنُّونَ، وَكَانَتْ هَدَايَا الْمُخْتَارِ تَأْتِي ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَرُدُّ عَطَايَاهُمْ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ مُرَاءٍ وَهَذَا فِيمَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ الْحَرَامُ بِعَيْنِهِ. اهـ مِنْ التَّمْهِيدِ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَسُئِلَ النَّخَعِيُّ عَنْ الرَّجُلِ يَرِثُ الْمِيرَاثَ مِنْهُ الْحَلَالُ وَمِنْهُ الْحَرَامُ قَالَ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا الْحَرَامُ بِعَيْنِهِ.
وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ: مَنْ عَمِلَ عَمَلَ السُّلْطَانِ فَظَلَمَ النَّاسَ أَوْ كَانَ قَاهِرًا غَاصِبًا أَوْ قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ أَوْ سَارِقًا أَوْ تَاجِرًا عَمِلَ بِالرِّبَا، ثُمَّ مَرِضَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّصَ وَأَنَالَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَرَادَ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: أَنَا قَدْ نِلْتُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute