جَمِيعِ مَالِي وَلَا أَعْرِفُ أَصْحَابَهُ، فَأَنَا أُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمَسَاكِينِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إذَا أَبَى وَرَثَتُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَجَازَ لَهُ الثُّلُثُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ اهـ.
وَانْظُرْ آخِرَ الثُّلُثِ الْوَسَطِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي نَفَقَةِ تِبَاعَتِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ، وَحُكْمُ مَنْ وَجَدَ فِي الْمُشْتَرَى مِنْ الْمَغْنَمِ كُبَّةَ خُيُوطٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَ فِيهَا صَلِيبًا ذَهَبًا يَكُونُ فِيهِ سَبْعُونَ دِينَارًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، فَانْظُرْ هَذَا الْفِقْهَ وَالْفِقْهَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الطُّرَرِ هَلْ يَقْتَضِيه قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْمُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ بِالْمَالِ الْحَرَامِ يُعَامَلُ فِيهِمَا بِيَدِهِ بِالْقِيَمِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْعَطِيَّةِ، بَلْ مَنْ تَمَكَّنَ بِشَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ فُتْيَا الْمُحَاسِبِ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ حَبْسِ وَدِيعَةٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ فَقَالَ لَهُ: إنْ رَدَدْتَهَا لَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِمِثْلِهَا عَنْ الْمَسَاكِينِ إنْ لَمْ تَعْرِفْ أَرْبَابَهَا.
وَعَلَى هَذَا لَوْ جَنَى هَذَا الْمُسْتَغْرَقُ الذِّمَّةِ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ فَقَتَلَهَا أَوْ عَلَى ثَوْبٍ فَأَفْسَدَهُ لَمَا سَاغَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُغَرِّمَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يُدْخِلُ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَاتِهِ نَقْصًا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَسُوغُ لِأَجِيرٍ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً فِي خِدْمَتِهِ إيَّاهُ وَلَا لِحَجَّامِ، إجَارَةً فِي حِجَامَتِهِ لِأَنَّهُمْ يُدْخِلُونَ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ نَقْصًا، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ لَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ مُبَايَعَتِهِ، وَعُرِّفَ عِيَاضٌ بِعَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَشْهُورِ بِالْوَرَعِ دَفَعَ إلَيْهِ جُنْدِيٌّ فَرَسَهُ فَرَكِبَهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ إمَّا وَرَعٌ نَقَصَ وَإِمَّا عِلْمٌ زَادَ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّهُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ انْتِفَاعِهِ بِهِ. وَعُرِّفَ عِيَاضٌ بِابْنِ مُجَاهِدٍ الْبِيرِيِّ لَمَّا زَارَ الْجُبَيْرِيُّ بِالزَّهْرَاءِ وَأَكَلَ مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَمْسَكْتُ عَنْ طَعَامِهِ لَكَانَ جَفَاءً عَلَيْهِ وَقَدْ قَوَّمْتُ مَا أَكَلْتُ وَأَجْمَعْتُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِهِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ، وَرَأَيْتَ هَذَا أَفْضَلَ مِنْ الشُّهْرَةِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْ طَعَامِهِ وَالْجَفَاءِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ) الْمُتَيْطِيُّ: لَا تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute