بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَيُوقِعُ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَعْدَادًا عَلَى رُتَبِ مَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ حَالَاتِ الشُّكُوكِ. فَمِنْ ذَلِكَ لَوْ نَسِيَ صَلَاةً لَا يَدْرِي أَيَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ هِيَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ الْخَمْسِ صَلَوَاتٍ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسِيَّةَ فَصَارَ حَالَاتُ الشَّكِّ خَمْسًا، فَوَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ خَمْسًا لِيَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ أَحْوَالِ الشَّكِّ. (وَإِنْ عَلِمَهَا دُونَ يَوْمِهَا صَلَّاهَا نَاوِيًا لَهُ) الْمَازِرِيُّ: وَأَمَّا إنْ عَلِمَ عَيْنَ الصَّلَاةِ وَنَسِيَ يَوْمَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ لِعَدِّ الْأَيَّامِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَيَّامِ. (وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً وَثَانِيَتَهَا صَلَّى سِتًّا وَنُدِبَ تَقْدِيمُ ظُهْرٍ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي الْفَوَائِتِ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ إذْ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا خَرَجَ وَقْتُهَا. فَعَلَى هَذَا بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ تَبْرَأُ الذِّمَّةُ، فَهَذَا التَّفْرِيعُ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَسِيَ صَلَوَاتٍ يَسِيرَةً فَصَلَّى قَبْلَهَا مَا هُوَ فِي وَقْتِهِ جَاهِلًا، أَوْ مُتَعَمِّدًا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْوَقْتِ قَالَ: فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاتَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا - مِثْلُ أَنْ يَذْكُرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا - أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا صَلَاتَيْنِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ خَاصَّةً.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ: إنَّ عَلَيْهِ إعَادَةَ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّى، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا يَأْتِي قَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُصَلِّي ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ ظُهْرًا بَيْنَ عَصْرَيْنِ، أَوْ عَصْرًا بَيْنَ ظُهْرَيْنِ. الْمَازِرِيُّ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ نَسِيَ صَلَاةً وَثَانِيَتَهَا وَلَا يَدْرِي مَا هُمَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ عَلَى رُتْبَتِهَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَيَبْدَأُ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ يُعِيدُهَا إذَا فَرَغَ مِنْ الْخَمْسِ فَالصَّلَاةُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا حَاصِلَةٌ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ كَيْفَمَا قُدِّرَتْ، وَبِإِعَادَةِ الصُّبْحِ يَتَحَقَّقُ إتْيَانُهُ بِمَا نَسِيَ لِأَنَّا نُجَوِّزُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْسِيَّةُ الْعَتَمَةَ ثُمَّ الصُّبْحَ فَلَوْ لَمْ يُعِدْ الصُّبْحَ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.
ابْنُ بَشِيرٍ: وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ وَهَذَا عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ هَلْ هُوَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ النَّهَارِ. إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ اللَّيْلِ بَدَأَ بِالظُّهْرِ، وَإِلَّا بَدَأَ بِالصُّبْحِ.
الشَّيْخُ: الْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصُّبْحَ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ. ابْنُ عَرَفَةَ: بَدْؤُهُ بِالصُّبْحِ أَوْلَى مِنْ الظُّهْرِ. الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ لِيَكُدَّ الطَّالِبُ فِيهَا فَهْمَهُ فَيَكْتَسِبَ مِنْ كَدِّهِ لِفَهْمِهِ فِيهَا انْتِبَاهًا وَتَيَقُّظًا فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْمَعَانِي الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُطَالِعُهُ. (وَفِي ثَالِثَتِهَا أَوْ رَابِعَتِهَا، أَوْ خَامِسَتِهَا كَذَلِكَ يُثَنِّي بِالْمَنْسِيِّ) .
الْمَازِرِيُّ: لَوْ كَانَ نَسِيَ صَلَاةً وَثَالِثَتَهَا وَلَا يَدْرِيهِمَا أَيْضًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي سِتَّ صَلَوَاتٍ يَبْدَأُ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ ثَالِثَتِهَا - وَهِيَ الْعَصْرُ - ثُمَّ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ - وَهِيَ الْعِشَاءُ - ثُمَّ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ - وَهِيَ الظُّهْرُ - ثُمَّ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ، وَهِيَ الْمَغْرِبُ، ثُمَّ يُعِيدُ الصُّبْحَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْسِيَّةُ الْمَغْرِبَ - وَثَالِثَتُهَا الصُّبْحُ -، فَلَوْلَا الْإِعَادَةُ لَمْ تَتَحَقَّقْ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.
وَلَوْ كَانَ نَسِيَ صَلَاةً وَرَابِعَتَهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ سِتُّ صَلَوَاتٍ أَيْضًا يُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ رَابِعَتَهَا وَهِيَ الْمَغْرِبُ، ثُمَّ رَابِعَةَ هَذِهِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الظُّهْرُ. ثُمَّ رَابِعَةَ هَذِهِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَابِعَةَ هَذِهِ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْسِيَّةُ الْعَصْرَ. وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute