للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَوَامِرِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا نَظِيرُ الْأَمْرِ بِدُخُولِ النَّارِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِإِلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ بَيْنَ سُيُوفِ أَعْدَائِهِمْ، وَرِمَاحِهِمْ، وَتَعْرِيضِهِمْ لِأَسْرِهِمْ لَهُمْ، وَتَعْذِيبِهِمْ، وَاسْتِرْقَاقِهِمْ، لَعَلَّهُ أَعْظَمُ مِنَ الْأَمْرِ بِدُخُولِ النَّارِ، وَقَدْ كَلَّفَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتْلَ أَنْفُسِهِمْ، وَأَوْلَادِهِمْ، وَأَرْوَاحِهِمْ، وَإِخْوَانِهِمْ لَمَّا عَبَدُوا الْعِجْلَ لِمَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ التَّكْلِيفِ بِدُخُولِ النَّارِ، وَكَلَّفَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا رَأَوْا نَارَ الدَّجَّالِ أَنْ يَقَعُوا فِيهَا - لِمَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ - وَلَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ نَارًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ نَارًا، وَكَذَلِكَ النَّارُ الَّتِي أُمِرُوا بِدُخُولِهَا فِي الْآخِرَةِ إِنَّمَا هِيَ بَرْدٌ وَسَلَامٌ عَلَى مَنْ دَخَلَهَا، فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَثَرٌ لَكَانَ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَمُوجِبَ أَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ: قَائِلٌ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ، وَالْإِرَادَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيلٍ، وَلَا غَايَةَ مَطْلُوبَةٌ بِالْفِعْلِ، وَقَائِلٌ بِمُرَاعَاةِ الْحِكَمِ، وَالْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ، وَالْمَصَالِحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>