وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الدَّجَّالَ يَأْتِي مَعَهُ بِمِثَالِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهِيَ نَارٌ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، وَلَكِنَّهَا لَا تُحْرِقُ، فَمَنْ دَخَلَهَا لَمْ تَضُرَّهُ، فَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ يُوَطِّنُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى دُخُولِ النَّارِ الَّتِي أُمِرُوا بِدُخُولِهَا طَاعَةً لِلَّهِ، وَمَحَبَّةً لَهُ، وَإِيثَارًا لِمَرْضَاتِهِ، وَتَقَرُّبًا إِلَيْهِ بِتَحَمُّلِ مَا يُؤْلِمُهُمْ لَكَانَ هَذَا الْإِقْدَامُ وَالْقَصْدُ مِنْهُمْ لِمَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ يَقْلِبُ تِلْكَ النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامًا، كَمَا قَلَبَ قَصْدُ الْخَلِيلِ - التَّقَرُّبَ إِلَى رَبِّهِ، وَإِيثَارَ مَحَبَّتِهِ، وَمَرْضَاتِهِ، وَبَذْلَ نَفْسِهِ، وَإِيثَارَهُ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ - تِلْكَ النَّارَ بِأَمْرِ اللَّهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، فَلَيْسَ أَمْرُهُ سُبْحَانَهُ إِيَّاهُمْ بِدُخُولِ النَّارِ عُقُوبَةً، وَلَا تَكْلِيفًا بِالْمُمْتَنِعِ، وَإِنَّمَا هُوَ امْتِحَانٌ، وَاخْتِبَارٌ لَهُمْ هَلْ يُوَطِّنُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ أَمْ يَنْطَوُونَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَمُخَالَفَتِهِ. وَقَدْ عَلِمَ سُبْحَانَهُ مَا يَقَعُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُ لَا يُجَازِيهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ عِلْمِهِ فِيهِمْ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَعْلُومُهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ، فَلَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا يَفْعَلُهُ بِهِمْ وَهُوَ مَحْضُ الْعَدْلِ، وَالْحِكْمَةِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ هَذَا مُطَابِقٌ لِتَكْلِيفِهِ عِبَادَهُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَسْتَفِدْ بِتَكْلِيفِهِمْ مَنْفَعَةً تَعُودُ إِلَيْهِ، وَلَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا امْتَحَنَهُمْ وَابْتَلَاهُمْ لِيَتَبَيَّنَ مَنْ يُؤْثِرُ رِضَاهُ وَمَحَبَّتَهُ، وَيَشْكُرُهُ مِمَّنْ يَكْفُرُ بِهِ وَيُؤْثِرُ سُخْطَهُ: قَدْ عَلِمَ مِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا وَهَذَا، وَلَكِنَّهُ بِالِابْتِلَاءِ ظَهَرَ مَعْلُومُهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَتَقُومُ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute