للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَا كَانَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَهَلْ يَجُوزُ إِبْقَاؤُهُ أَوْ يَجِبُ هَدْمُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ إِزَالَتُهُ وَتَحْرُمُ تَبْقِيَتُهُ؛ لِأَنَّ الْبِلَادَ قَدْ صَارَتْ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَرَّ فِيهَا أَمْكِنَةُ شِعَارِ الْكُفْرِ، كَالْبِلَادِ الَّتِي مَصَّرَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَصْلُحُ قِبْلَتَانِ بِبَلَدٍ» ". وَكَمَا لَا يَجُوزُ إِبْقَاءُ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي هِيَ شِعَارُ الْفُسُوقِ كَالْخَمَّارَاتِ وَالْمَوَاخِيرِ، وَلِأَنَّ أَمْكِنَةَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ قَدْ صَارَتْ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَتَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنْ إِقَامَةِ شِعَارِ الْكُفْرِ فِيهَا كَبَيْعِهِمْ وَإِجَارَتِهِمْ إِيَّاهَا لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْجِهَادِ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لَهُ، وَتَمْكِينُهُمْ مِنْ إِظْهَارِ شِعَارِ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ جَعَلَ الدِّينَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ بِنَاؤُهَا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَجَمُ فَفَتَحَهُ اللَّهُ عَلَى الْعَرَبِ فَنَزَلُوهُ فَإِنَّ لِلْعَجَمِ مَا فِي عَهْدِهِمْ " وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً وَأَقَرَّهُمْ عَلَى مَعَابِدِهِمْ فِيهَا وَلَمْ يَهْدِمْهَا، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَتَحُوا كَثِيرًا مِنَ الْبِلَادِ عَنْوَةً فَلَمْ يَهْدِمُوا شَيْئًا مِنَ الْكَنَائِسِ الَّتِي بِهَا.

وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا وُجُودُ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي فُتِحَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>