للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمِينَهُ؛ أَيْ: عَهْدَهُ الَّذِي عَاهَدَنَا عَلَيْهِ مِنَ الْكَفِّ عَنْ أَذَانَا وَالطَّعْنِ فِي دِينِنَا، وَجَعَلَ عِلَّةَ قِتَالِهِ ذَلِكَ، وَعَطَفَ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ عَلَى نَكْثِ الْعَهْدِ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ بَيَانًا أَنَّهُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِتَالِ، وَلِهَذَا تُغَلَّظُ عَلَى صَاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ، وَهَذِهِ كَانَتْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يُهْدِرُ دِمَاءَ مَنْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَطَعَنَ فِي الدِّينِ وَيُمْسِكُ عَنْ غَيْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَطَعَنَ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ يُقَاتَلُ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ مَنْ طَعَنَ فِي الدِّينِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعَهْدَ لَمْ يُقَاتَلْ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِوَصْفَيْنِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفَيْنِ الْمُتَلَازِمَيْنِ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فَمَتَى تَحَقَّقَ أَحَدُهُمَا تَحَقَّقَ الْآخَرُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: ١١٥] ، وَكَقَوْلِهِ: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: ٤٢] ، وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ١٤] وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْعَهْدِ مَعَ الطَّعْنِ فِي دِينِنَا بَلْ إِمْكَانُ بَقَائِهِ عَلَى الْعَهْدِ دِينًا أَقْرَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>