وَلَا تَكْرَارٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَلِيلَ السَّبِّ وَكَثِيرَهُ وَمَنْظُومَهُ وَمَنْثُورَهُ أَذًى لِلَّهِ بِلَا رَيْبٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّكْرَارَ وَالْمُبَالَغَةَ لَأَتَى بِالِاسْمِ الْمُفْهِمِ لِذَلِكَ فَقَالَ: " فَإِنَّهُ قَدْ بَالَغَ فِي أَذَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ " وَقَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَهُوَ الْمَعْصُومُ فِي غَضَبِهِ وَرِضَاهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «إِنَّهُ نَالَ مِنَّا الْأَذَى وَهَجَانَا بِالشِّعْرِ، وَلَا يَفْعَلُ هَذَا أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا كَانَ لِلسَّيْفِ» ". وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِتَكْرَارٍ بَلْ عَلَّقَهُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ كَعْبًا آذَاهُ بِكَلَامِهِ الْمَنْظُومِ، وَالْيَهُودِيَّةَ بِكَلَامِهَا الْمَنْثُورِ، وَكِلَاهُمَا أَهْدَرَ دَمَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ النَّظْمَ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ إِذَا ثَبَتَ بِدُونِ الْوَصْفِ كَانَ عَدِيمَ التَّأْثِيرِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْجِنْسَ الْمُبِيحَ لِلدَّمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَغَلِيظِهِ وَخَفِيفِهِ فِي كَوْنِهِ مُبِيحًا، سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا كَالرِّدَّةِ أَوْ فِعْلًا كَالزِّنَى وَالْمُحَارَبَةِ، وَهَذَا قِيَاسُ الْأُصُولِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مَا يُبِيحُ الدَّمَ إِذَا كَثُرَ وَلَا يُبِيحُهُ مَعَ الْقِلَّةِ فَقَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ الشَّرْعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute