فَكَانَ الْجَوَابُ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهُ ; لِأَنَّ الْجِزْيَةَ صَغَارٌ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَضْمَنَهَا عَنِ الْكَافِرِ ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُطَالَبًا بِهَا وَهُوَ فَرْعٌ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَإِنْ كَانَ الضَّامِنُ ذِمِّيًّا فَإِنْ ضَمِنَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ صَحَّ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ دَيْنًا مُسْتَقِرًّا عَلَى مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْرِضٍ مِنَ السُّقُوطِ بِالْإِسْلَامِ فَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الضَّمَانِ كَمَا يَصِحُّ ضَمَانُ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْرِضِ سُقُوطِهِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِهِ، وَكَمَا يَصِحُّ ضَمَانُ ثَمَنِ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ بِصَدَدِ السُّقُوطِ بِتَلَفِهِ.
وَإِنْ ضَمِنَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ، وَالْجُمْهُورُ يُصَحِّحُونَهُ وَالشَّافِعِيُّ يُبْطِلُهُ فَإِذَا صَحَّحْنَاهُ صَحَّ ضَمَانُ الذِّمِّيِّ لِلْجِزْيَةِ كَمَا يَصِحُّ ضَمَانُ مَا يُدَايِنُهُ بِهِ أَوْ مَا يُتْلِفُهُ عَلَيْهِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ ضَمَانٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُهُ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَجْرِي مَجْرَى النَّذْرِ، فَإِنَّهُ الْتِزَامٌ فَلَا يُنَافِيهِ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ.
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ فِي صِحَّةِ ضَمَانِ الْمُسْلِمِ لِلْجِزْيَةِ عَنِ الذِّمِّيِّ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عِنْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ الصَّغَارُ مِنْ جَرِّ الْيَدِ وَالِانْتِهَارِ وَالْإِذْلَالِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ صَحَّ.
قَالَ الْجُوَيْنِيُّ فِي " نِهَايَتِهِ ": وَالْأَصَحُّ عِنْدِي تَصْحِيحُ الضَّمَانِ فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute