للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ إِمْكَانَ تَوْجِيهِ الطَّلَبِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ.

قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَصِحَّ ضَمَانُ الذِّمِّيِّ أَيْضًا لِلْجِزْيَةِ ; لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى سُقُوطِ الصَّغَارِ عَنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ إِذَا أَدَّى الضَّامِنُ كَمَا أَجْرَوُا الْخِلَافَ فِي تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْهُ، وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامًا إِلَّا مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ فِي " رِعَايَتِهِ " فَقَالَ: " وَهَلْ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِذِمِّيٍّ فِي أَدَاءِ جِزْيَتِهِ أَوْ أَنْ يَضْمَنَهَا عَنْهُ أَوْ أَنْ يُحِيلَ الذِّمِّيَّ عَلَيْهِ بِهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ " انْتَهَى.

وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا تَحَمَّلَهَا عَنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، وَالْحَمَالَةُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا مُلْتَزِمٌ لِمَا عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْحَمَالَةِ.

فَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُصَحِّحَانِهَا، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُهُ عَنْهُ، وَلَا نَصَّ لَهُ فِي الْمَنْعِ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى أُصُولِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ.

قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: الْمَضْمُونُ لَهُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ طَالَبَ الْأَصْلَ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الضَّامِنَ إِلَّا إِذَا اشْتَرَطَ فِيهِ بَرَاءَةَ الْأَصْلِ، فَحِينَئِذٍ تَنْعَقِدُ حَوَالَةٌ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ - بِشَرْطِ أَلَّا يَبْرَأَ الْمُحِيلُ - تَكُونُ كَفَالَةً، فَعِنْدَهُمْ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِشَرْطِ أَلَّا يَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَيَنْقَلِبُ ضَمَانًا وَيَصِحُّ الضَّمَانُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَتَنْقَلِبُ حَوَالَةً، وَهَذَا صَحِيحٌ لَا يُخَالِفُ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا، وَلَا يَتَضَمَّنُ غَرَرًا فَالصَّوَابُ الْقَوْلُ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>