للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ الْخَمْرَ وَالْمَيْتَةَ، حَيْثُ لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهَا.

أَمَّا إِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِهَا لِلْإِرَاقَةِ أَوِ الْإِلْقَاءِ فِي الصَّحْرَاءِ، فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُبَاحٌ لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ لِجِلْدِ الْمَيْتَةِ لَمْ تَصِحَّ، وَاسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَخَ الْجِلْدَ وَأَخَذَهُ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَشْبَهُ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، فَإِنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى مَقْصُودِ أَحْمَدَ، وَأَقْرَبُ إِلَى الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ عَاصِرَ الْخَمْرِ وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» "، فَالْعَاصِرُ وَالْحَامِلُ قَدْ عَاوَضَا عَلَى مَنْفَعَةٍ تَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ وَلَيْسَتْ مُحَرَّمَةً فِي نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ بِقَصْدِ الْمُعْتَصِرِ وَالْمُسْتَحْمِلِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ عِنَبًا أَوْ عَصِيرًا لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَفَاتَ الْعَصِيرَ وَالْعِنَبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ مَالَ الْبَائِعِ لَا يَذْهَبُ مَجَّانًا، بَلْ يَقْضِي لَهُ بِعِوَضِهِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا الْمَنْفَعَةُ الَّتِي وَفَّاهَا الْمُؤَجِّرُ لَا تَذْهَبُ مَجَّانًا، بَلْ يُعْطَى بَدَلَهَا، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الِانْتِفَاعِ بِهَا إِنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، لَا مِنْ جِهَتِهِ.

ثُمَّ نَحْنُ نُحَرِّمُ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، لَا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَنِ اسْتُؤْجِرَ لِلزِّنَا أَوِ التَّلَوُّطِ أَوِ السَّرِقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ نَفْسَ هَذَا الْفِعْلِ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَيْتَةً أَوْ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِثَمَنِهَا ; لِأَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الْعَيْنِ مُحَرَّمَةٌ.

وَمِثْلُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَالْجَعَالَةِ لَا تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا، وَلَا بِالْفَسَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>