فَإِنْ قَالَ: قَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتَوْفَيْتُهَا مِنْهُ، قِيلَ لَهُ: فَلَا يُجْمَعُ لَكَ بَيْنَ مَا اسْتَمْتَعْتَ بِهِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ وَبَيْنَ الْعِوَضِ الَّذِي بَذَلْتَهُ فِيهَا.
فَإِنْ قَالَ: أَنَا بَذَلْتُ مَا لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ، وَهُوَ أَخَذَ مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ، قِيلَ: وَهُوَ بَذَلَ لَكَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ، وَاسْتَوْفَيْتَ أَنْتَ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ، فَكِلَاكُمَا سَوَاءٌ فَمَا الْمُوجِبُ لِرُجُوعِكَ عَلَيْهِ، وَلَا يَفُوتُ عَلَيْكَ شَيْءٌ، وَتَفُوتُ الْمَنْفَعَةُ عَلَيْهِ، وَكِلَاكُمَا رَاضٍ بِمَا بَذَلَ مُسْتَوْفٍ لِعِوَضِهِ؟
فَإِنْ قَالَ: مَا بَذَلْتُهُ أَنَا عَيْنٌ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهَا فَيَجِبُ، وَمَا بَذَلَهُ مَنْفَعَةٌ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهَا، إِذَا أَمْكَنَ الرُّجُوعُ فِي مُعَوَّضِهَا الَّذِي بَذَلْتُ فِي مُقَابَلَتِهِ، أَوْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ: الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَالثَّانِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُقَدِّمَتَهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ؟ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمَقْبُوضِ عِوَضًا عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ لَا يَصِحُّ كَمَا عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
عَلَى أَنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُشْتَرِيَ الْخَمْرِ إِذَا قَبَضَ ثَمَنَهَا وَشَرِبَهَا ثُمَّ طَلَبَ أَنْ يُعَادَ إِلَيْهِ الْمَالُ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِهِ، بَلِ الْأَوْجَهُ أَلَّا يَرُدَّ إِلَيْهِ الثَّمَنَ، وَلَا يُبَاحُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا لَاسِيَّمَا وَنَحْنُ نُعَاقِبُ الْخَمَّارَ يَبِيعُ الْخَمْرَ بِأَنْ يُحْرَقَ الْحَانُوتُ الَّتِي يُبَاعُ فِيهَا: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرَقَ حَانُوتًا يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَرَقَ قَرْيَةً يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ.
وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْعُقُوبَاتِ الْمَالِيَّةِ أَطْرَدُ، فَإِنَّهُ إِذَا جَازَ عُقُوبَتُهُ بِمَالٍ يُنْزَعُ مِنْهُ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَأَنْ لَا يُقْضَى لَهُ بِمَالٍ أَخْرَجَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَيُمْنَعُ مِنِ اسْتِرْجَاعِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute