للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَجِبُ فِيهِ التَّرَادُّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَيَرُدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ كَمَا فِي عُقُودِ الرِّبَا، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: الْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يُمَلَّكُ، فَأَمَّا إِذَا تَلِفَ الْمُعَوَّضُ عِنْدَ الْقَابِضِ وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالْعِوَضِ الَّذِي بَذَلَهُ، وَيُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، فَإِنَّ الزَّانِيَ وَاللَّائِطَ وَمُسْتَمِعَ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ قَدْ بَذَلُوا هَذَا الْمَالَ عَنْ طِيبِ نُفُوسِهِمْ، وَاسْتَوْفَوْا عِوَضَهُ الْمُحَرَّمَ، وَلَيْسَ التَّحْرِيمُ الَّذِي فِيهِ لِحَقِّهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ اللَّهِ، وَقَدْ فَاتَتْ هَذِهِ الْمَنْفَعَةُ بِالْقَبْضِ، وَالْأُصُولُ تَقْتَضِي أَنَّهُ إِذَا رَدَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ يَرُدُّ الْآخَرَ، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَالَ الَّذِي بَذَلَهُ فِي اسْتِيفَائِهَا.

وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الَّذِي اسْتُوفِيَتْ مَنْفَعَتُهُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي أَخْذِ مَنْفَعَتِهِ وَعِوَضِهَا جَمِيعًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْعِوَضُ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً فَإِنَّ ذَلِكَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي فَوَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا أَتْلَفْنَاهُ عَلَيْهِ، وَمَنْفَعَةُ الْغَنَاءِ وَالنَّوْحِ لَوْ لَمْ تَفُتْ لَتَوَفَّرَتْ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهَا فِي أَمْرٍ آخَرَ، أَعْنِي الْقُوَّةَ الَّتِي عَمِلَ بِهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنْ تَقْضُوا لَهُ بِهَا إِذَا طَالَبَ بِقَبْضِهَا، قِيلَ: نَحْنُ لَا نَأْمُرُ بِدَفْعِهَا وَلَا بِرَدِّهَا، كَعُقُودِ الْكُفَّارِ الْمُحَرَّمَةِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ نَحْكُمْ بِالرَّدِّ، لَكِنَّ الْمُسْلِمَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأُجْرَةُ ; لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَقِدًا لِتَحْرِيمِهَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ، فَإِذَا طَلَبَ الْأُجْرَةَ قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ فَرَّطْتَ حَيْثُ صَرَفْتَ قُوَّتَكَ فِي عَمَلٍ مُحَرَّمٍ، فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالْأُجْرَةِ، فَإِذَا قَبَضَهَا ثُمَّ قَالَ الدَّافِعُ: هَذَا الْمَالُ اقْضُوا لِي بِرَدِّهِ، فَإِنَّهُ قَبَضَ مِنِّي بَاطِلًا، قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ دَفَعْتَهُ بِمُعَاوَضَةٍ رَضِيتَ بِهَا، فَإِذَا طَلَبْتَ اسْتِرْجَاعَ مَا أُخِذَ مِنْكَ فَارْدُدْ إِلَيْهِ مَا أَخَذْتَهُ مِنْهُ، فَإِنَّ فِي بَقَائِهِ مَعَهُ مَنْفَعَةً لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>