للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا مَتَى نَقَضَ الْعَهْدَ أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، وَأُخْرِجَ مِنْ دَارِنَا وَأُلْحِقَ بِدَارِهِ، فَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُجْرِيَ مُجْرَى السَّاكِنِ الْمُنْتَفِعِ، لَا مُجْرَى السَّاكِنِ الْحَقِيقِيِّ، وَحَقُّ السُّكْنَى لَا يَقْوَى عَلَى انْتِزَاعِ الشِّقْصِ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥] ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْيَهُودِ: " «اعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» "، فَعِبَادُهُ الصَّالِحُونَ هُمْ وَارِثُوهَا، وَهُمُ الْمُلَّاكُ لَهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْكُفَّارُ فِيهَا تَبَعٌ يَنْتَفِعُونَ بِهَا لِضَرُورَةِ إِبْقَائِهِمْ بِالْجِزْيَةِ، فَلَا يُسَاوُونَ الْمَالِكِينَ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا مَنَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ شِرَاءِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّ الْمُسْلِمِ مِنَ الْعُشْرِ الَّذِي يَجِبُ فَكَيْفَ يُسَلَّطُونَ عَلَى انْتِزَاعِ نَفْسِ أَرْضِ الْمُسْلِمِ وَعَقَارِهِ مِنْهُ قَهْرًا؟

وَأَيْضًا، فَلَوْ كَانُوا مَالِكِينَ حَقِيقَةً لَمَا أَوْصَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالَ: " «لَئِنْ عِشْتُ لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» " هَذَا مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَى عَهْدِهِمْ وَعَدَمِ نَقْضِهِمْ لَهُ، فَلَوْ كَانُوا مَالِكِينَ لِدُورِهِمْ حَقِيقَةً لَمَا أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>