وَلِهَذَا احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُمْ عَلَى مُسْلِمٍ، وَهَذَا مِنْ أَلْطَفِ مَا يَكُونُ مِنَ الْفَهْمِ، وَأَدَقِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْفِقَةِ.
وَأَيْضًا، فَالشُّفْعَةُ تَقِفُ عَلَى مِلْكٍ وَمَالِكٍ، فَإِذَا اخْتَصَّتِ الشُّفْعَةُ بِمِلْكٍ دُونَ مَالِكٍ، وَهُوَ الْعَقَارُ دُونَ غَيْرِهِ، فَأَوْلَى أَنْ تَخْتَصَّ بِمَالِكٍ دُونَ مَالِكٍ، وَهُوَ الْمُسْلِمُ دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ: (الشُّفْعَةُ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ظَاهِرٌ جِدًّا، فَإِنَّهَا تَسْلِيطٌ عَلَى انْتِزَاعِ مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْهُ قَهْرًا، لِمَصْلَحَةِ الشَّفِيعِ، فَيَجِبُ أَنْ يَقْتَصِرَ بِهَا عَلَى مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَثَبَتَ بِهِ الْإِجْمَاعُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَتِ الشُّفْعَةُ عِنْدَنَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَكِنْ حِكْمَةُ الشَّارِعِ وَقِيَاسُ أُصُولِهِ أَوْجَبَتْهَا، دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ قَدْ رَغِبَ عَنِ الشِّقْصِ وَرَضِيَ بِالثَّمَنِ، فَرَغْبَتُهُ عَنْهُ لِشَرِيكِهِ لِيَدْفَعَ عَنْهُ ضَرَرَ الشَّرِيكِ الدَّخِيلِ أَوْلَى، وَهُوَ يَأْخُذُ مِنْهُ الثَّمَنَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَ الشَّرِيكِ، وَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
فَهَذَا مَحْضُ قِيَاسِ الْأُصُولِ، وَلَكِنْ هَذَا حَقٌّ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَلَا حَقَّ لِلذِّمِّيِّ فِيهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَمْنَعُونَ الذِّمِّيَّ مِنَ التَّمْلِيكِ بِالْإِحْيَاءِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، مَعَ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَا يَتَضَمَّنُ انْتِزَاعَ مِلْكِ مُسْلِمٍ مِنْهُ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنِ انْتِزَاعِ أَرْضِ الْمُسْلِمِ وَعَقَارِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute