وَالتَّزْوِيجِ اللَّذَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إِلَّا بِهِمَا. وَهَذَا جَوَابٌ فِي غَايَةِ الْوَهَنِ، فَإِنَّ " كَلِمَةَ اللَّهِ " هِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا، وَلِهَذَا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَكَلِمَةُ الْمَخْلُوقِ، فَلَا تُضَافُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ الْعَبْدُ يُضَافُ إِلَى الرَّبِّ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، فَإِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ كَسَمْعِ اللَّهِ، وَبَصَرِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ لِلصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِهِ، لَا لِلْمَخْلُوقِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ.
وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا اسْتَحَلُّوا فُرُوجَ نِسَائِهِمْ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِبَاحَتِهِ.
أَمَّا الْمُبْتَدَأُ نِكَاحُهَا فِي الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُسْتَدَامُ نِكَاحُهَا فَإِنَّمَا اسْتُدِيمَ بِكَلِمَةِ اللَّهِ أَيْضًا، فَلَا يَمَسُّ الْحَدِيثُ مَحَلَّ النِّزَاعِ بِوَجْهٍ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: كُلُّ آيَةٍ أَبَاحَتِ النِّكَاحَ فِي الْقُرْآنِ فَالْخِطَابُ بِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ مَأْخُوذَةٌ بِأَحْكَامِهِ، وَأَوَامِرِهِ، وَنَوَاهِيهِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا أَقَرَّهُ الْقُرْآنُ فَهُوَ عَلَى مَا أَقَرَّهُ، وَمَا غَيَّرَهُ وَأَبْطَلَهُ فَهُوَ كَمَا غَيَّرَهُ وَأَبْطَلَهُ، فَأَيْنَ أَبْطَلَ الْقُرْآنُ نِكَاحَ الْكُفَّارِ، وَلَمْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؟ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ، وَالرَّهْنَ، وَالْمُدَايَنَةَ، وَالْقَرْضَ، وَغَيْرَهَا مِنَ الْعُقُودِ إِنَّمَا خُوطِبَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّهَا بَاطِلَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ؟ وَهَلِ النِّكَاحُ إِلَّا عَقْدٌ مِنْ عُقُودِهِمْ كَبِيَاعَاتِهِمْ، وَإِجَارَاتِهِمْ، وَرُهُونِهِمْ، وَسَائِرِ عُقُودِهِمْ؟ وَلَيْسَ النِّكَاحُ مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا الْإِسْلَامُ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، بَلْ هُوَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَصِحُّ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute