للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُهُمُ: الْمَسْأَلَةُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ ذَلِكَ الْأَثَرُ الَّذِي لَا يَصِحُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فَأَيْنَ قَوْلُ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَضْلًا عَنْ جَمِيعِهِمْ؟

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: كَيْفَ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ عَرِيَ عَنِ الْوَلِيِّ، وَالشُّهُودِ، وَشُرُوطِ النِّكَاحِ، فَمِنْ أَضْعَفِ الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّ هَذِهِ إِنَّمَا صَارَتْ شُرُوطًا بِالْإِسْلَامِ، وَلَمْ تَكُنْ شُرُوطًا قَبْلَهُ حَتَّى نَحْكُمَ بِبُطْلَانِ كُلِّ نِكَاحٍ وَقَعَ قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا اشْتُرِطَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ مَنِ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَإِنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بِدُونِهَا كَحُكْمِ مَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ مِنَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لَا مَسَاغَ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَسْلَمُوا وَقَدْ تَعَامَلُوا بِهَا وَتَقَايَضُوا لَمْ تُنْقَضْ وَأُمْضِيَتْ.

فَإِنْ قِيلَ: الْإِسْلَامُ صَحَّحَهَا لَهُمْ، وَهَكَذَا صَحَّحَ النِّكَاحَ، قُلْنَا: لَكِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يُبْطِلْ تَرَتُّبَ آثَارِهَا عَلَيْهَا قَبْلَهُ، فَيَجِبُ أَلَّا يُبْطِلَ تَرَتُّبَ آثَارِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ، وَالظِّهَارِ، وَالْإِيلَاءِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ إِذَنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» " فَهَذَا عَجَبٌ مِنْكُمْ، فَإِنَّهَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَكُمْ، فَإِنْ قُلْتُمُ: الْوَلِيُّ الْكَافِرُ كَلَا وَلِيٍّ، قِيلَ: نَعَمْ، هَذَا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ، فَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>