وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» " فَفِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّا لَا نَرُدُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّا نُقِرُّهُمْ عَلَى عُقُودِهِمُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الثَّانِي: أَنَّ إِقْرَارَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ عَلَى أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ هُوَ مِنْ أَمْرِ الشَّارِعِ، وَلَا جَرَمَ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ رَدٌّ، كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَمَا لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، فَأَمَّا مَا اعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ فَإِقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ أَنْكِحَتِهِمْ، كَمَا لَمْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ عُقُودِ مُعَاوَضَاتِهِمُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ أَمْرِهِ.
وَأَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْحَرْبِيَّةِ بِحَيْضَةٍ إِذَا سُبِيَتْ، وَحُكْمُنَا بِزَوَالِ النِّكَاحِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لِكَوْنِ أَنْكِحَتِهِمْ كَانَتْ بَاطِلَةً، وَلَكِنْ لِتَجْدِيدِ الْمِلْكِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَكَوْنِهَا صَارَتْ أَمَةً لِلثَّانِي، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَحَلِّ حَقِّ الْكَافِرِ وَأَزَالَهُ، وَانْتَقَلَتْ مِنْ كَوْنِهَا زَوْجَةً إِلَى كَوْنِهَا أَمَةً رَقِيقَةً تُبَاعُ وَتُشْتَرَى.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: {وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: ٢٩] فَلَمْ يَزِيدُوا بِذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِمْ كُفَّارًا. وَمَنْ نَازَعَ فِي كُفْرِهِمْ حَتَّى يُحْتَجَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؟ وَهَلْ وَقَعَ النِّزَاعُ إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute