وَأَمَّا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرُدَّهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَهَذَا إِنْ صَحَّ عَنِ الشَّعْبِيِّ فَإِنْ كَانَ قَالَهُ بِرَأْيِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ رِوَايَةً فَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَبَيْنَ الشَّعْبِيِّ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَفَازَةٌ لَا يُدْرَى حَالُهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي الْكَافِرَةِ تُسْلِمُ، وَيَأْبَى زَوْجُهَا الْإِسْلَامَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ، فَهَذَا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِحَسَبِ مَا بَلَغَهُ، وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمُسْلِمَةِ مَذَاهِبَ تِسْعَةً، وَذَكَرْنَا مَذْهَبَ عَلِيٍّ وَلَا يُحْفَظُ اعْتِبَارُ الْعِدَّةِ عَنْ صَاحِبٍ وَاحِدٍ أَلْبَتَّةَ، وَأَرْفَعُ مَا فِيهِ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ فِي " الْمُوَطَّأِ "، وَلَفْظُهُ: " «أَنَّ أُمَّ حَكِيمِ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ، فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِالْيَمَنِ، وَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعَهُ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ» ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ، وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إِذَا قَدِمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، فَلَا يُعْرَفُ فِي اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ غَيْرُ هَذَا الْأَثَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute