ذَلِكَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ صُورَةَ الْحَالِ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا يَبْتَدِئُ نِكَاحَهُنَّ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ هَذَا.
قَالَ الْمُصَحِّحُونَ: الْآنَ اشْتَدَّ اللِّزَامُ، وَاحْتَدَّ الْخِصَامُ، وَوَجَبَ التَّحَيُّزُ إِلَى فِئَةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ قَصْدُهُمُ الِانْتِصَارُ لَهُ أَيْنَ كَانَ، وَمَعَ مَنْ كَانَ.
قَالُوا: وَأَمَّا احْتِجَاجُكُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ» " فَمَا أَصَحَّهُ مِنْ حَدِيثٍ، وَمَا أَضْعَفَهُ مِنِ اسْتِدْلَالٍ! وَهَلْ نَازَعَ فِي هَذَا مُسْلِمٌ حَتَّى تَحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِهِ؟ وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَسْلَمَ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: أَخْبَرَهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
وَالَّذِي عَلَى الْمُسْلِمِ: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنَ الْعَقْدِ عَلَى أُخْتَيْنِ ابْتِدَاءً وَلَا اسْتِدَامَةً.
وَهَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» "، وَلَيْسَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالتَّزَوُّجِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَلِذَلِكَ كَانَ رَدًّا بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: إِنَّ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ أَمْرِي وَمَضَى، وَانْقَضَى فَهُوَ رَدٌّ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مِنْهُ مَا قَامَ الْإِسْلَامُ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ أَمْرِهِ، وَهَكَذَا فَعَلَ سَوَاءً، فَإِنَّهُ أَبْطَلَ نِكَاحَ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ، إِذْ ذَلِكَ خِلَافُ أَمْرِهِ، وَجَعَلَ الْخِيَرَةَ فِي الْمُمْسَكَاتِ إِلَى الزَّوْجِ، وَهَذَا نَفْسُ أَمْرِهِ، فَمَا خَالَفَ هَذَا وَهَذَا فَهُوَ رَدٌّ، فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِكُمْ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute