للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْعُ، وَمَنْ تَأَمَّلَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَابِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ إِذَا أَسْلَمُوا عَلَيْهَا وَجَدَهُ مُشْتَقًّا مِنَ الْقُرْآنِ مُطَابِقًا لَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ عَقَدَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ التَّخْيِيرُ، كَعَقْدِ السِّلْمِ، فَهَلْ فِي الْقِيَاسِ أَفْسَدُ مِنْ هَذَا؟ وَهَلْ يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَطْرُدَ هَذَا الْقِيَاسَ فَيَفْسَخَ كُلَّ نِكَاحٍ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ، وَكُلَّ بَيْعٍ، وَكُلَّ إِجَارَةٍ، وَكُلَّ عَقْدٍ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرُوطَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، وَلَا شُهُودٍ، وَلَا مَهْرٍ، وَكُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَقَعَ فِيهِ التَّقَابُضُ؟ !

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ بِالْحَدِيثِ، فَكَلَّا بَلْ أَوَّلُ مَنْ تَلَطَّفَ فِي رَدِّهِ بِمَا لَا يُرَدُّ بِهِ، وَمَا تَأَوَّلْتُمْ بِهِ الْحَدِيثَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ " تَخْيِيرُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ " بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: قَوْلُهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: " «أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» "، وَهَذَا يَقْتَضِي إِمْسَاكَهُنَّ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: ٣٧] ، وَقَوْلُهُ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٢٩] ، وَلَا يُعْقَلُ الْإِمْسَاكُ غَيْرُ هَذَا.

فَإِنْ قُلْتُمْ: يَعْنِي: " «أَمْسِكْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ» " تَزَوَّجْ أَرْبَعًا، خَرَجَ اللَّفْظُ عَنِ الْقِيَاسِ إِلَى الْأَلْغَازِ وَاللَّبْسِ الَّذِي يَتَنَزَّهُ عَنْهُ كَلَامُ الْمُبِينِ عَنِ اللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>