وَقَوْلُكُمْ: إِنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ تَغْيِيرُهُ، وَنَقْضُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى أَرْبَعٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُغَيِّرُ مَا يُطَابِقُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ، وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ يُخَالِفُ حُكْمَهُ، فَلِهَذَا غَيَّرَهُ كَمَا لَوْ تَعَاقَدَا عَقْدَ صَرْفٍ، وَأَسْلَمَا قَبْلَ التَّقَابُضِ حَكَمْنَا بِفَسَادِهِ، وَإِنْ كَانَ الصَّرْفُ فِي الْجُمْلَةِ جَائِزًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الْوَثَنِيُّ قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ، وَلِأَنَّ تَغْيِيرَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِنَّمَا هُوَ إِلْزَامٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوجِبَ الْإِسْلَامُ إِزَالَةَ أَشْيَاءَ لَمْ تَكُنْ حَالَ الْكُفْرِ كَالْعِبَادَاتِ.
وَعِنْدِي جَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي وَقَعَ فِي حَالِ الْكُفْرِ - عَلَى هَذَا الْوَجْهِ - لَا يُحْكَمُ لَهُ بِصِحَّةٍ، وَلَا فَسَادٍ، بَلْ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ كَمَا يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ، فَإِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ لَمْ نَتَعَرَّضْ لِعُقُودِهِمْ، وَإِنْ أَسْلَمُوا حُكِمَ بِبُطْلَانِ مَا يَقْتَضِي الْإِسْلَامُ بُطْلَانَهُ - مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ - كَالْحُكْمِ فِي سَائِرِ عُقُودِهِمْ مِنْ بِيَاعَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا، فَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَفْوٌ لَا نَحْكُمُ لَهُ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٨] ، فَأَمَرَ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ دُونَ رَدِّ مَا قُبِضَ، وَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، بَلْ كَانَ عَفْوًا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: ٢٧٥] ، فَجَعَلَ لَهُ مَا سَلَفَ مِنَ الرِّبَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ مَا يُحَرِّمُهُ الْإِسْلَامُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ جَمِيعِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُبْطِلْ مَا وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى خِلَافِ شَرْعِهِ، وَأَمَرَ بِالْتِزَامِ شَرْعِهِ مِنْ حِينِ قَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute