للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، قَالَ: هُنَّ الْعَفَايِفُ.

قَالُوا: وَلَوْ طُولِبْتُمْ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْقُرْآنِ أُرِيدَ بِالْإِحْصَانِ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهَا لَمْ تَجِدُوا إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَالَّذِي اطَّرَدَ مَجِيءُ الْقُرْآنِ بِهِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ شَيْئَانِ: الْعِفَّةُ، وَالتَّزْوِيجُ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ إِرَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاللَّفْظِ.

وَقَوْلُكُمْ: إِنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْعِفَّةُ لَمَا جَازَ التَّزْوِيجُ بِالْكِتَابِيَّةِ، وَلَا بِالْمُسْلِمَةِ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عِفَّتِهَا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

وَمِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْبَغَايَا، فَإِنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ الْأُمُورِ، وَالنَّاسُ إِذَا اجْتَهَدُوا فِي تَعْيِيرِ الرَّجُلِ قَالُوا: زَوْجُ بَغِيٍّ، وَمِثْلُ هَذَا فِطْرَةٌ فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْخَلْقَ، فَلَا تَأْتِي شَرِيعَةٌ بِإِبَاحَتِهِ.

وَالْبَغِيُّ خَبِيثَةٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الْخَبَائِثَ مِنَ الْمَنَاكَحِ كَمَا حَرَّمَهَا مِنَ الْمَطَاعِمِ، وَلَمْ يُبِحْ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ إِلَّا بِشَرْطِ إِحْصَانِهَا، وَقَالَ فِي نِكَاحِ الزَّوَانِي: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣] ، وَلَمْ يَنْسَخْ هَذِهِ الْآيَةَ شَيْءٌ، وَيَكْفِي فِي نِكَاحِ الْحُرَّةِ عَدَمُ اشْتِهَارِ زِنَاهَا، فَإِنَّ الْأَصْلَ عِفَّتُهَا، فَعِفَّتُهَا ثَابِتَةٌ بِالْأَصْلِ، فَلَا يَشُقُّ اشْتِرَاطُهَا، فَإِذَا اشْتَهَرَ زِنَاهَا حَرُمَ نِكَاحُهَا، فَإِذَا تَابَتْ فَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالتَّابِعِينَ مِنَ التَّحْرِيمِ فَقَدْ عَارَضَهُمْ آخَرُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>