وَلَا يُعْطَوْنَ دِيَتَهُمْ، فَإِنَّهُمْ كُفَّارٌ وَالْكُفَّارُ لَا يَرِثُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا فِيمَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ، فَتَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْعِصْمَةُ الْمُوَرِّثَةُ دُونَ الْمُضَمِّنَةِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ.
وَقِيلَ: بَلْ فِيمَنْ ظَنَّهُ الْقَاتِلُ كَافِرًا، وَكَانَ مَأْمُورًا بِقَتْلِهِ، فَسَقَطَتْ عَنْهُ الدِّيَةُ لِذَلِكَ، كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
وَهَؤُلَاءِ يَخُصُّونَ الْآيَةَ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْإِسْلَامُ، وَأُولَئِكَ يَخُصُّونَهَا بِمَنْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يُهَاجِرْ. وَالْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِ إِذَا قَتَلَ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا، وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: ٩٢] ، وَلَمْ يَقُلْ: (مِنْ عَدُوِّكُمْ) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ إِذَا كَانَ خَطَأً كَمَنْ رَمَى عِرْضًا، فَأَصَابَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ أَهْلَهُ لَا يَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَلَا بَيْتُ الْمَالِ، فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَا يَرِثُونَ مِثْلَ هَذَا الْمُسْلِمِ، كَمَا قَالَ: " «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» " لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَالْمُنَاصَرَةُ بَيْنَهُمْ مُنْقَطِعَةٌ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْمِيرَاثُ لَا يَكُونُ مَعَ الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ، بَلْ مَعَ الْمُنَاصَرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَيْسُوا عَدُوًّا مُحَارِبًا، وَقَتِيلُهُمْ مَضْمُونٌ، فَإِذَا وَرِثَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ كَانَ هَذَا مُوَافِقًا لِلْأُصُولِ، وَقَوْلُهُ: " الْكَافِرُ " أُرِيدَ بِهِ الْكَافِرُ الْمُطْلَقُ، وَهُوَ الْمُعَادِي الْمُحَارِبُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْمُنَافِقُ، وَلَا الْمُرْتَدُّ، وَلَا الذِّمِّيُّ. فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ يَرِثُ الْمُنَافِقَ لِكَوْنِهِ مُسَالِمًا لَهُ مُنَاصِرًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ، فَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ، وَبَعْضُ الْمُنَافِقِينَ شَرٌّ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِالْمُوَالَاةِ، وَهُوَ أَحَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute