فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، يُقِرُّهُمُ الْمُسْلِمُونَ مَا احْتَاجُوا إِلَيْهِمْ، فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُمْ أَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ، لَهُ حَظٌّ مِنَ الْفِقْهِ.
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» " أَرَادَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ إِقْرَارَكُمْ، وَقَدَّرَ ذَلِكَ وَقَضَى بِهِ، أَيْ: فَإِذَا قَدَّرَ إِخْرَاجَكُمْ، بِأَنْ يُرِيدَ إِخْرَاجَكُمْ فَنُخْرِجَكُمْ، لَمْ نَكُنْ ظَالِمِينَ لَكُمْ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَنَا أُقِيمُ فِي هَذَا الْمَكَانِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَمَا أَقَامَنِي. وَلَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: " «مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» ": إِنَّا نُقِرُّكُمْ مَا أَبَاحَ اللَّهُ بِوَحْيٍ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٍ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْإِقْرَارَ الْمَقْضِيَّ كَمَا قَالَ: " مَا شِئْنَا ".
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ، وَالتَّوَاتُرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عُهُودَهُمْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا حَجَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَامَ تِسْعٍ، فَنَبَذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عُهُودَهُمْ ذَلِكَ الْعَامَ، وَلِذَلِكَ أَرْدَفَ أَبَا بَكْرٍ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِأَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ أَنَّهُ لَا يَعْقِدُ الْعُقُودَ وَيُحِلُّهَا إِلَّا الْمُطَاعُ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ سُورَةُ بَرَاءَةٌ، فَقَالَ تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة: ١ - ٢] الْآيَاتِ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ أَنْزَلَ الْبَرَاءَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَجَعَلَ لَهُمْ سِيَاحَةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ: وَهِيَ الْحُرُمُ الْمَذْكُورَةُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute