كَافٍ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَهُ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِمَوْتِ أَبِيهِ الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ الْمِيرَاثَ، فَلَمْ يَتَقَدَّمِ الْإِسْلَامُ الْمَانِعُ عَنِ الْمِيرَاثِ عَلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْمُعَلَّقَةَ بِالْمَوْتِ لَا تُوجِبُ الْمِيرَاثَ فِيمَا إِذَا قَالَ سَيِّدٌ لِعَبْدٍ لَهُ: إِذَا مَاتَ أَبُوكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَمَاتَ أَبُوهُ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يَرِثُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ، فَهُنَاكَ مُوجِبُ الْمِيرَاثِ فَلَمْ يُوجِبْهُ، وَهُنَا مَانِعُ الْمِيرَاثِ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ.
وَأَيْضًا فَكَوْنُهُ " وَارِثًا " أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْمَرِيضُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهِ، فَبِالْمَوْتِ عَمِلَ الْمُقْتَضَى الْمُتَقَدِّمُ لِأَخْذِ الْمَالِ عَمَلَهُ، وَهُوَ الْبَعْضِيَّةُ وَالْبُنُوَّةُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، بَلْ كَانَ كَافِرًا حُكْمًا، وَإِنَّمَا تَجَدَّدَ لَهُ الْإِسْلَامُ بِمَوْتِ الْأَبِ، وَهُنَاكَ لَمْ يَتَجَدَّدْ كَوْنُهُ وَارِثًا بِمَوْتِ الْأَبِ، وَإِنَّمَا تَجَدَّدَ بِالْمَوْتِ انْتِقَالُ التَّرِكَةِ إِلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ مَاتَ أَبُوهُ الْكَافِرُ وَهُوَ حَمْلٌ، هَلْ يَرِثُهُ؟ قُلْنَا: لَا يَرِثُهُ، لِأَنَّا نَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ، نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ، فَيَسْبِقُ الْإِسْلَامُ الْمَانِعَ مِنَ الْمِيرَاثِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ شَيْخُنَا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ غَيْرِهِ، فَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ قَبْلَ وَضْعِهِ، بِأَنْ يَمُوتَ الذِّمِّيُّ، وَيَتْرُكَ امْرَأَةَ أَخِيهِ حَامِلًا مِنْ أَخِيهِ الذِّمِّيِّ، فَتُسْلِمُ أُمُّهُ قَبْلَ وَضْعِهِ، فَنَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ الْمِيرَاثَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَحْكُمُوا بِإِسْلَامِ أَوْلَادِ الزِّنَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لِانْقِطَاعِ أَنْسَابِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ، قِيلَ: قَدِ الْتَزَمَهُ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ، وَحَكَمُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute