للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» " وَفِي لَفْظٍ " «عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ: فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» "، فَجَعَلَ الْغَايَةَ إِعْرَابَ لِسَانِهِ عَنْهُ: أَيْ بَيَانَ لِسَانِهِ عَنْهُ، فَإِذَا أَعْرَبَ لِسَانُهُ عَنْهُ صَارَ إِمَّا شَاكِرًا، وَإِمَّا كَفُورًا بِالنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ إِذَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ، وَعَقَلَ مَا يَقُولُ، صَارَ لَهُ إِرَادَةٌ، وَاخْتِيَارٌ، وَنُطْقٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِهِ الثَّوَابُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ إِلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ صِحَّةِ أَسْبَابِ الْعِقَابِ انْتِفَاءُ صِحَّةِ أَسْبَابِ الثَّوَابِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ يَصِحُّ حَجُّهُ، وَطَهَارَتُهُ، وَصَلَاتُهُ، وَصِيَامُهُ، وَصَدَقَتُهُ، وَذِكْرُهُ، وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعَاقِبْهُ عَلَى تَرْكِهِ فَبَابُ الثَّوَابِ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْبُلُوغِ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى إِهْدَارِ أَقْوَالِ الصَّبِيِّ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقْتَضِي اعْتِبَارَ أَقْوَالِهِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِابْتِلَاءِ الْيَتَامَى، وَهُوَ اخْتِبَارُهُمْ فِي عُقُودِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ، وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِذْنِهِ لَهُ فِي الْعَقْدِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْمُرَاوَضَةِ، ثُمَّ بِعَقْدِ وَلِيِّهِ.

وَقَدْ ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ إِلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي جِرَاحَاتِهِمْ إِذَا كَانُوا مُنْفَرِدِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>