للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْقَوْلِ فِيمَا لَا عِلْمَ لَهُ، فَفَسَّرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفْسِيرًا خَالَفَ فِيهِ حُكْمَ الْكِتَابِ، وَخَرَجَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَرَكَ الْقِيَاسَ وَالنَّظَرَ، فَقَالَ قَوْلًا لَا يَصْلُحُ فِي خَبَرٍ، وَلَا يَقُومُ عَلَى نَظَرٍ.

وَهُوَ هَذَا الْعَائِبُ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ: زَعَمَ أَنَّ الْفِطْرَةَ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَيْهَا: هِيَ خَلْقُهُ فِي كُلِّ مَوْلُودٍ مَعْرِفَةً بِرَبِّهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] الْآيَةَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: ٧٨] ، فَزَعَمَ هَذَا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَعْظَمَ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَنْ أَعْظَمُ جُرْمًا، وَأَشَدُّ مُخَالَفَةً لِلْكِتَابِ مَنْ سَمِعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: ٧٨] ، فَزَعَمَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَعْظَمَ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعَانِدُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْجَاهِلُ بِالْكِتَابِ.

قُلْتُ: إِنْ أَرَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ " الْمَعْرِفَةَ " الْمَعْرِفَةَ الثَّانِيَةَ بِالْفِعْلِ الَّتِي هِيَ لِلْكِبَارِ، فَإِنْكَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ مُتَوَجِّهٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ مُهَيَّأٌ لِلْمَعْرِفَةِ، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِيهِ بِالْقُوَّةِ كَمَا هُوَ مُهَيَّأٌ لِلْفِعْلِ وَالنُّطْقِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>