فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا أَقَرُّوا بِهِ مِنْ رُبُوبِيَّتِهِ عَلَى بُطْلَانِ شِرْكِهِمْ وَعِبَادَةِ غَيْرِهِ، وَأَلَّا يَعْتَذِرُوا، إِمَّا بِالْغَفْلَةِ عَنِ الْحَقِّ، وَإِمَّا بِالتَّقْلِيدِ فِي الْبَاطِلِ، فَإِنَّ الضَّلَالَ لَهُ سَبَبَانِ: إِمَّا غَفْلَةٌ عَنِ الْحَقِّ، وَإِمَّا تَقْلِيدُ أَهْلِ الضَّلَالِ، فَيُطَابِقُ الْحَدِيثَ مَعَ الْآيَةِ، وَيُبَيِّنُ مَعْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، فَلَمْ يَقَعِ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي مُعَانَدَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا جَهِلَ الْكِتَابَ، وَلَا خَرَجَ عَنِ الْمَعْقُولِ، وَلَكِنْ لَمَّا ظَنَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَخْرَجَهُمْ أَحْيَاءً نَاطِقِينَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ فِي آنٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ خَاطَبَهُمْ، وَكَلَّمَهُمْ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ، ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي ظَهْرِهِ، وَأَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ فَسَّرَ الْفِطْرَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ أَلْزَمَهُ مَا أَلْزَمَهُ.
ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَاحْتَجَّ - يَعْنِي ابْنَ قُتَيْبَةَ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} [فاطر: ١] خَالِقِهَا، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ يس: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: ٢٢] ، أَيْ خَلَقَنِي، وَبِقَوْلِهِ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠] ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسْرِعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ خِلْقَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute