قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: فَيُقَالُ لَهُ: لَسْنَا نُخَالِفُكَ فِي أَنَّ الْفِطْرَةَ خِلْقَةٌ فِي اللُّغَةِ وَأَنَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ خَالِقُهُمَا، وَلَكِنْ مَا
[الدَّلِيلُ] عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْخِلْقَةَ هِيَ مَعْرِفَةٌ؟ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ دَلِيلٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ أَنَّ الْخِلْقَةَ هِيَ الْمَعْرِفَةُ؟ فَإِنْ أَتَيْتَ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ أَنَّ الْخِلْقَةَ هِيَ الْمَعْرِفَةُ، وَإِلَّا فَأَنْتَ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاكَ، وَقَائِلٌ مَا لَا عِلْمَ لَكَ بِهِ.
قُلْتُ: لَمْ يُرِدِ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَلَا مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: " إِنَّ الْفِطْرَةَ خِلْقَةٌ " أَنَّهَا مَعْرِفَةٌ حَاصِلَةٌ بِالْفِعْلِ مَعَ الْمَوْلُودِ حِينَ يُولَدُ، فَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: الْفِطْرَةُ الْأُولَى الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيُّ: الْفِطْرَةُ الدِّينُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَقَدْ نَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا مَاتَ أَبَوَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» " فَفَسَّرَ الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ يُولَدُ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ لَمَا صَحَّ اسْتِدْلَالُهُ بَعْدُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ " «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ» ".
وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: " يُولَدُ عَلَى مَا فُطِرَ عَلَيْهِ مِنْ شَقَاوَةٍ، أَوْ سَعَادَةٍ " فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: إِنَّهَا الدِّينُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ الشَّقَاوَةَ وَالسَّعَادَةَ وَكَتَبَهُمَا، وَإِنَّهَا تَكُونُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا كَفِعْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute