وَقَوْلُهُ: " «خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ» " وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " «حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ» "، وَمِثْلُ تَفْسِيرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا سَمِعَ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ الْإِسْلَامَ لَمَا سَأَلُوا عَقِيبَ ذَلِكَ: " «أَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ صَغِيرٌ» ؟ " لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُغَيِّرُ تِلْكَ الْفِطْرَةَ لَمَا سَأَلُوهُ، وَالْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَالْكِتَابُ السَّابِقُ لَا يَتَغَيَّرُ.
وَقَوْلُهُ: " «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» " بَيِّنٌ فِيهِ أَنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ الْفِطْرَةَ الْمَخْلُوقَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ.
وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ شَبَّهَ ذَلِكَ بِالْبَهِيمَةِ الَّتِي تُولَدُ مُجْتَمِعَةَ الْخَلْقِ لَا نَقْصَ فِيهَا، ثُمَّ تُجْدَعُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّغَيُّرَ وَارِدٌ عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ الَّتِي وُلِدَ الْعَبْدُ عَلَيْهَا.
وَأَيْضًا، فَالْحَدِيثُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] ، وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ النَّاسِ، فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ فَطَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَى فِطْرَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِطْرَةُ اللَّهِ أَضَافَهَا إِلَيْهِ إِضَافَةَ مَدْحٍ لَا إِضَافَةَ ذَمٍّ، فَعُلِمَ أَنَّهَا فِطْرَةٌ مَحْمُودَةٌ لَا مَذْمُومَةٌ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] ، وَهَذَا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute