للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مُحَمَّدٌ: فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَيْهَا» " هِيَ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ؟ أَوْ هَلْ يُحْكَى عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ؟ أَوْ هَلْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِقِيَاسٍ؟ فَإِنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الدَّلَائِلِ، وَإِلَّا بَانَ بَاطِلُ دَعْوَاهُ.

فَإِنْ هُوَ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف: ١٧٢] الْآيَةَ، فَقَالَ: اسْتِشْهَادُ اللَّهِ ذُرِّيَّةَ آدَمَ عَلَى أَنَّهُ رَبُّهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مُتَقَدِّمَةٌ عِنْدَهُمْ كَمَا اسْتَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ غَايَةُ حُجَّتِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ.

قَالَ: لِأَنَّ كُلَّ مُسْتَشْهَدٍ عَلَى شَيْءٍ لَمْ تَتَقَدَّمِ الْمَعْرِفَةُ عِنْدَهُ بِمَا اسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ، فَإِنَّ الْمُسْتَشْهِدَ دَعَاهُ إِلَى أَنْ شَهِدَ بِقَوْلِ الزُّورِ، وَاللَّهُ لَا يَأْمُرُ أَحَدًا بِذَلِكَ.

فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ إِجَابَتَكَ عَنْ غَيْرِ مَا تَسْأَلُ عَنْهُ، وَاحْتِجَاجَكَ لَهُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى عَجْزِكَ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَكَ، إِنَّا لَمْ نَسْأَلْكَ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَشْهَدَهُمُ اللَّهُ فِيهِ، وَقَالَ لَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ فَأَجَابُوهُ بِأَنْ قَالُوا: بَلَى - هَلْ كَانُوا عَارِفِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ لَا - إِنَّمَا سَأَلْنَاكَ عَنْ وَقْتِ سُقُوطِهِمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ: هَلْ عِنْدَكَ حُجَّةٌ تُثْبِتُ أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَارِفُونَ؟

فَإِنْ قَالَ: إِنَّ ثُبُوتَ الْمَعْرِفَةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى ذَلِكَ، فَهُمْ فِي وَقْتِ الْوِلَادَةِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>