قِيلَ لَهُ: فَقَدْ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُقِرِّينَ أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُخَاطِبُ إِلَّا مَنْ يَفْهَمُ عِنْدَ الْمُخَاطَبَةِ، وَلَا يُجِيبُ إِلَّا مَنْ فَهِمَ السُّؤَالَ، فَإِجَابَتُهُمْ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ فَهِمُوا عَنِ اللَّهِ، وَعَقَلُوا عَنْهُ اسْتِشْهَادَهُ إِيَّاهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، فَأَجَابُوهُ مِنْ بَعْدِ عَقْلِهِمْ لِلْمُخَاطَبَةِ وَفَهْمِهِمْ لَهَا بِأَنْ قَالُوا: بَلَى، فَأَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ.
فَيُقَالُ لَهُ: فَهَكَذَا تَقُولُ: إِنَّ الطِّفْلَ إِذَا سَقَطَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فَهُوَ مِنْ سَاعَتِهِ يَفْهَمُ الْمُخَاطَبَةَ إِنْ خُوطِبَ، وَيُجِيبُ عَنْهَا، وَيُقِرُّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، كَإِقْرَارِ الَّذِينَ أَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، فَإِنْ قَالَ: " نَعَمْ " كَابَرَ عَقْلُهُ وَأَكْذَبَهُ الْعِيَانُ، وَإِنْ قَالَ: " لَا " أَقُولُ: ذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، فَجُعِلَ حَالُهُمْ فِي وَقْتِ الْوِلَادَةِ خِلَافَ حَالِهِمْ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَخْذِ الْمِيثَاقِ مِنْهُمْ، فَيُقَالُ لَهُ: فَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ عَارِفِينَ، وَهُمْ فِي وَقْتِ الْوِلَادَةِ غَيْرُ عَارِفِينَ كَمَا كَانُوا فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ، فَقَدْ فَهِمُوا الْمُخَاطَبَةَ، وَعَقَلُوهَا، وَأَجَابُوا مُقِرِّينَ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَهُمْ فِي وَقْتِ الْوِلَادَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.
قُلْتُ: كُلُّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ هُوَ أَنَّهُمْ أُخْرِجُوا مِنْ صُلْبِ آدَمَ وَخُوطِبُوا، وَأَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، ثُمَّ رُدُّوا فِي صُلْبِهِ، فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ حَالِهِمْ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَحَالِهِمْ وَقْتَ الْوِلَادَةِ قَطْعًا، وَلَا يَقُولُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَلَا غَيْرُهُ: إِنَّهُمْ وُلِدُوا عَارِفِينَ فَاهِمِينَ يَفْهَمُونَ السُّؤَالَ، وَيَرُدُّونَ الْجَوَابَ، فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: اسْتِوَاءُ حَالَتِهِمْ وَقْتَ أَخْذِ الْعَهْدِ، وَوَقْتَ سُقُوطِهِمْ - فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute