الْفِطْرَةِ، فَيَكُونُ مَقْصُودُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْأَطْفَالَ عَلَى مَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ رَأَى الشَّرِيعَةَ قَدِ اسْتَقَرَّتْ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْكَافِرِ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَيُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْكُفْرِ فِي أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَطْفَالِ فِي الدُّنْيَا حُكْمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا حَقٌّ وَلَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْحَدِيثَ اقْتَضَى الْحُكْمَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَحْكَامِ أَطْفَالِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: هَذَا مَنْسُوخٌ، كَانَ قَبْلَ الْجِهَادِ لِأَنَّهُ بِالْجِهَادِ أُبِيحَ اسْتِرْقَاقُ النِّسَاءِ، وَالْأَطْفَالِ، وَالْمُؤْمِنُ لَا يُسْتَرَقُّ، وَلَكِنْ كَوْنُ الطِّفْلِ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الدِّينِ فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَمْرٌ مَا زَالَ مَشْرُوعًا، وَمَا زَالَ الْأَطْفَالُ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَالْحَدِيثُ لَمْ يَقْصِدْ بَيَانَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مَا وُلِدُوا عَلَيْهِ مِنَ الْفِطْرَةِ.
وَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ خُلِقَ حَنِيفًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حِينَ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَعْلَمُ هَذَا الدِّينَ، وَيُرِيدُهُ، فَاللَّهُ أَخْرَجَنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لَا نَعْلَمُ شَيْئًا، وَلَكِنَّ فِطْرَتَهُ سُبْحَانَهُ مُوجِبَةٌ مُقْتَضِيَةٌ لِمَعْرِفَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَمَحَبَّتِهِ، فَفُطِرُوا عَلَى فِطْرَةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِلْإِقْرَارِ بِالْخَالِقِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ، وَمُوجِبَاتُ الْفِطْرَةِ وَمُقْتَضَيَاتُهَا تَحْصُلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِحَسَبِ كَمَالِ الْفِطْرَةِ إِذَا سَلِمَتْ عَنِ الْمُعَارِضِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ فَإِنَّهُ يُولَدُ عَلَى مَحَبَّةِ مَا يُلَائِمُ بَدَنَهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ، وَالْأَشْرِبَةِ، فَيَشْتَهِي اللَّبَنَ الَّذِي يُنَاسِبُهُ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٥٠] ، وَقَوْلِهِ: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى - وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: ٢ - ٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute