للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْحَيَوَانَ مُهْتَدِيًا إِلَى طَلَبِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ، ثُمَّ هَذَا الْحُبُّ وَالْبُغْضُ يَحْصُلُ فِيهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، ثُمَّ قَدْ يَعْرِضُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَبْدَانِ مَا يُفْسِدُ مَا وُلِدَ عَلَيْهِ مِنَ الطَّبِيعَةِ السَّلِيمَةِ.

١٨٣ - فَصْلٌ

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْفِطْرَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أُرِيدَ بِهَا الْخِلْقَةُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا الْمَوْلُودُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِرَبِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى خِلْقَةٍ يَعْرِفُ بِهَا رَبَّهُ إِذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الْمَعْرِفَةِ، يُرِيدُ أَنَّ خَلْقَهُ مُخَالِفٌ لِخِلْقَةِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصِلُ بِخِلْقَتِهَا إِلَى مَعْرِفَةٍ.

قَالُوا: لِأَنَّ الْفَاطِرَ هُوَ الْخَالِقُ، قَالَ: وَأَنْكَرْتُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ يُفْطَرُ عَلَى إِيمَانٍ، أَوْ كُفْرٍ، أَوْ مَعْرِفَةٍ، أَوْ إِنْكَارٍ.

قَالَ شَيْخُنَا: صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ إِنْ أَرَادَ بِالْفِطْرَةِ التَّمَكُّنَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهَا فَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، وَلَا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمِلَّةِ.

وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَذْكُرَ تَغْيِيرَ أَبَوَيْهِ لِفِطْرَتِهِ حَتَّى يَسْأَلَ عَمَّنْ مَاتَ صَغِيرًا، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِي الْكَبِيرِ أَكْمَلُ مِنْهَا فِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ لَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>