وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ: انْظُرُوا أَنْ لَا تَقُولُوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ، وَذَكَرَ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قِصَّةِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ قَالَ: وَكَانَ الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: ٧٤] ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْخَضِرَ مَا كَانَ الْغُلَامُ عَلَيْهِ مِنَ الْفِطْرَةِ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، فَأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا.
قَالَ إِسْحَاقُ: فَلَوْ تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ حُكْمَ الْأَطْفَالِ لَمْ يَعْرِفُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا جُبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَ الدُّنْيَا فِي الْأَطْفَالِ بِقَوْلِهِ: " «أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» " يَقُولُ: أَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ فِي الْفِطْرَةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّ حُكْمَ الطِّفْلِ فِي الدُّنْيَا حُكْمُ أَبَوَيْهِ، فَاعْرِفُوا ذَلِكَ بِالْأَبَوَيْنِ، فَمَنْ كَانَ صَغِيرًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أُلْحِقَ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا إِيمَانُ ذَلِكَ، وَكُفْرُهُ مِمَّا يَصِيرُ إِلَيْهِ فَعِلْمُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ.
وَإِنَّمَا فَضَّلَ اللَّهُ الْخَضِرَ فِي عِلْمِهِ بِهَذَا عَلَى مُوسَى - لِمَا أَخْبَرَهُ بِالْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُ عَلَيْهَا - لِيَزْدَادَ مُوسَى يَقِينًا، وَعِلْمًا بِأَنَّ مِنْ عِلْمِ الْخَضِرِ مَا لَا يَعْلَمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute