نَبِيٌّ، وَلَا غَيْرُهُ، إِذِ الْأَنْبِيَاءُ لَا يَعْلَمُونَ مِنَ الْغَيْبِ إِلَّا قَدْرَ مَا عَلَّمَهُمُ اللَّهُ، فَصَارَ الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَ مُوسَى هُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ فِي الدُّنْيَا، وَمَا بَطَنَ مِنْ عِلْمِ الْخَضِرِ كَانَ الْخَضِرُ مَخْصُوصًا بِهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ الصَّغِيرَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ حَكَمْتَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَوَارِيثِ، وَالصَّلَاةِ، وَكُلِّ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ تَعْتَدَّ بِفِعْلِ الْخَضِرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ لِمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ الْخَفِيِّ، فَانْتَهَى إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فِي قَتْلِهِ.
وَلَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ الْوِلْدَانِ أَفِي الْجَنَّةِ هُمْ؟ يَعْنِي: وِلْدَانَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: حَسْبُكَ مَا اخْتَصَمَ فِيهِ مُوسَى وَالْخَضِرُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ مَا اقْتَصَصْنَا مِنْ قَبْلُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، وَحُكْمُ النَّاسِ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ، أَلَا تَرَى «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ قَالَتْ، لَمَّا مَاتَ صَبِيٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ: " طُوبَى لَهُ، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ " رَدَّ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " مَهْ يَا عَائِشَةُ، وَمَا يُدْرِيكِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا» . "
قَالَ إِسْحَاقُ: فَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا ذَكَرَتْهُ هَذِهِ الطَّائِفَةُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ فَطَرَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَالْمَعْرِفَةِ، وَالْإِنْكَارِ، إِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّ اللَّهَ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ أَنَّهُمْ سَيُؤْمِنُونَ، وَيَكْفُرُونَ، وَيَعْرِفُونَ، وَيُنْكِرُونَ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَقَدَرِهِ، وَخَلْقِهِ، فَهَذَا حَقٌّ لَا يَرُدُّهُ إِلَّا الْقَدَرِيَّةُ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ وَالنَّكِرَةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ أُخِذَ الْمِيثَاقُ فَهَذَا يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute