للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ تَكُونَ كَالْمَرَاسِيلِ إِنْ كَانَتْ أُخِذَتْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ إِذَا كَانَ فِيهَا مَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَكْذِبُونَ كَثِيرًا؟ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ فِيهَا شَيْئًا كَثِيرًا مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إِلَّا مُعَارَضَتُهُ لِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْإِقْرَارِ لَكَفَى.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: ٨٣] ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْإِسْلَامِ الْمَوْجُودِ بَعْدَ خَلْقِهِمْ، لَمْ يَقُلْ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُمْ حِينَ الْعَهْدِ الْأَوَّلِ أَسْلَمُوا طَوْعًا، وَكَرْهًا، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُجَّةً عَلَيْهِمْ عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُهُ، وَلَوْ كَانَ مِنْهُمْ مُكْرَهٌ لَقَالَ: لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ طَوْعًا بَلْ كَرْهًا، فَلَا تَقُومُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " إِنَّهُمْ أَقَرُّوا عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ " كَلَامٌ بَاطِلٌ قَطْعًا، فَإِنَّ التَّقِيَّةَ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ خِلَافَ مَا يَعْتَقِدُهُ لِاتِّقَاءِ مَكْرُوهٍ يَقَعُ بِهِ لَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالتَّقِيَّةِ، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لَهُمْ رَبًّا غَيْرَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولُوا تَقِيَّةً: " أَنْتَ رَبُّنَا "، بَلْ هُمْ - فِي حَالِ كُفْرِهِمُ الْحَقِيقِيِّ، وَعِنَادِهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ لِلرُّسُلِ - مُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ وَقَدْ عَرَضَ لَهُمْ مَا غَيَّرَ تِلْكَ الْفِطْرَةَ الَّتِي فُطِرُوا عَلَيْهَا، فَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ رَبُّهُمْ طَوْعًا، وَاخْتِيَارًا، لَا تَقِيَّةً، فَكَيْفَ يَقُولُونَ ذَلِكَ تَقِيَّةً فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الشِّرْكِ، وَلَا كَانَ هُنَاكَ شَيَاطِينُ تُضِلُّهُمْ؟ فَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُ تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِهِ قَطْعًا بِلَا تَوَقُّفٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>