للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " فَقَالَ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ: شَهِدْنَا " هَذَا خِطَابٌ قَطْعًا، بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا، أَيْ أَقْرَرْنَا كَمَا قَالَ الرُّسُلُ لَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، فِي قَوْلِهِ: {لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: ٨١] ، وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ ظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٧٢] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: (شَهِدْنَا) ، وَذَلِكَ لَا يَلْتَئِمُ عِلَّةٌ لَهُ، فَقَالَ: قَوْلُهُ: (شَهِدْنَا) ، يَقُولُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ، أَيْ شَهْدِنَا عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٧٢] .

وَلَكِنَّ ذَلِكَ تَعْلِيلٌ لِأَخْذِهِمْ، وَإِشْهَادِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَيْ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَشَهِدُوا لِئَلَّا يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِكَ، لَيْسَ مَعْنَى " شَهِدْنَا " لِئَلَّا يَقُولُوا، وَلَكِنْ أُشْهِدُهُمْ لِئَلَّا يَقُولُوا.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا شَهَادَةُ اللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا يَجْحَدُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شِرْكَهُ وَفُجُورَهُ مَعَ شَهَادَةِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَيَقُولُ: لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَهَادَةً مِنِّي، وَلَا يُقِيمُ اللَّهُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ فَشَهَادَتُهُ حِينَ تَشْهَدُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَتَشْهَدُ عَلَيْهِ جَوَارِحُهُ، قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: ٦٥] ، وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>