وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: الْمُرَادُ مَا خَلَقَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْفِطْرَةِ لَا تَبْدِيلَ لَهُ، فَلَا يُخْلَقُونَ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ: لَا يَقَعُ هَذَا قَطُّ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْخَلْقَ لَا يَتَبَدَّلُ فَيُخْلَقُوا عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّ الْفِطْرَةَ لَا تَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْخَلْقِ، بَلْ نَفْسُ الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ أَنَّهَا تَتَغَيَّرُ، وَلِهَذَا شَبَّهَهَا بِالْبَهِيمَةِ الَّتِي تُولَدُ جَمْعَاءَ ثُمَّ تُجْدَعُ، وَلَا تُولَدُ قَطُّ بَهِيمَةٌ مَخْصِيَّةً وَلَا مَجْدُوعَةً، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنِ الشَّيْطَانِ: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩] ، فَاللَّهُ تَعَالَى أَقْدَرَ الْخَلْقَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا مَا خَلَقَهُمْ عَلَيْهِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ.
وَأَمَّا تَبْدِيلُ الْخَلْقِ بِأَنْ يُخْلَقُوا عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الْفِطْرَةِ فَهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، كَمَا قَالَ: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠] ، وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَغْيِيرَ، فَإِنَّ تَبْدِيلَ الشَّيْءِ يَكُونُ بِذَهَابِهِ، وَحُصُولِ بَدَلِهِ، فَلَا يَكُونُ خَلْقٌ بَدَلَ هَذَا الْخَلْقِ، وَلَكِنْ إِذَا غُيِّرَ بَعْدَ وُجُودِهِ لَمْ يَكُنِ الْخَلْقُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ قَدْ حَصَلَ بَدَلُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَا تَبْدِيلَ لِلْخِلْقَةِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ مِنْ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ " فَإِنْ عَنَى بِهَا أَنَّ مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْإِيمَانِ لَا يَقَعُ خِلَافُهُ فَهَذَا حَقٌّ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ تَبْدِيلَ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ وَبِالْعَكْسِ مُمْتَنِعٌ، وَلَا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ، بَلِ الْعَبْدُ قَادِرٌ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَعَلَى تَرْكِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْكُفْرِ، وَعَلَى أَنْ يُبَدِّلَ حَسَنَاتِهِ بِالسَّيِّئَاتِ، وَسَيِّئَاتِهِ بِالتَّوْبَةِ، كَمَا قَالَ: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النمل: ١١] ، وَقَالَ: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٧٠] ، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute