للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُمْ كُفَّارٌ كَآبَائِهِمْ، فَنَقْتُلُهُمْ مَعَهُمْ، وَكَوْنُ الصَّغِيرِ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا هُوَ لِضَرُورَةِ حَيَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَبٍّ يُرَبِّيهِ، وَإِنَّمَا يُرَبِّيهِ أَبَوَاهُ، فَكَانَ تَابِعًا لَهُمَا ضَرُورَةً، وَلِهَذَا إِذَا سُبِيَ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا صَارَ تَابِعًا لَهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ سُبِيَ مَعَهُمَا، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا، أَوْ مَاتَا، أَوْ أَحَدُهُمَا، فَفِيهِ نِزَاعٌ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى.

وَاحْتَجَّ الْفُقَهَاءُ وَالْأَئِمَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا وُلِدَ عَلَى الْمِلَّةِ فَإِنَّمَا يَنْقُلُهُ عَنْهَا الْأَبَوَانِ اللَّذَانِ يُغَيِّرَانِهِ عَنِ الْفِطْرَةِ، فَمَتَى سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ، وَهُوَ مَوْلُودٌ عَلَى الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ، فَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبَوَانِ يَجْعَلَانِهِ كَافِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِدُونِ تَعْلِيمٍ، وَتَلْقِينٍ لَكَانَ الصَّبِيُّ الْمَسْبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ الْكَافِرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَافِرَ الْبَالِغَ إِذَا سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَافِرًا حَقِيقَةً، فَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ التَّابِعُ لِأَبَوَيْهِ كَافِرًا حَقِيقَةً لَمْ يَنْتَقِلْ عَنِ الْكُفْرِ بِالسِّبَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ فِي الدُّنْيَا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ، لَا لِأَنَّهُ صَارَ كَافِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سَبَاهُ كُفَّارٌ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبَوَاهُ لَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا، فَهُوَ هُنَا كَافِرٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ هَوَّدَاهُ، وَنَصَّرَاهُ، وَمَجَّسَاهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ يُلَقِّنَانِهِ الْكُفْرَ وَيُعَلِّمَانِهِ إِيَّاهُ.

وَذَكَرَ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ الْعَامُّ الْغَالِبُ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ، فَإِنَّ كُلَّ طِفْلٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَبَوَيْنِ، وَهُمَا اللَّذَانِ يُرَبِّيَانِهِ مَعَ بَقَائِهِمَا، وَقُدْرَتِهِمَا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>