للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِمَّا شَاكِرًا، وَإِمَّا كَفُورًا» "، فَجَعَلَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ إِلَى أَنْ يَعْقِلَ، وَيُمَيِّزَ، فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ.

وَلَوْ كَانَ كَافِرًا فِي الْبَاطِنِ بِكُفْرِ الْأَبَوَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ حِينِ يُولَدُ قَبْلَ أَنْ يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ فِيمَا يَرْوِي «عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، وَحَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا» " - صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ خُلِقُوا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ، وَأَنَّ الشَّيَاطِينَ اجْتَالَتْهُمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ وَأَمَرَتْهُمْ بِالشِّرْكِ.

فَلَوْ كَانَ الطِّفْلُ يَصِيرُ كَافِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ حِينِ يُولَدُ، لِكَوْنِهِ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَحَدٌ الْكُفْرَ وَيُلَقِّنَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَكُنِ الشَّيَاطِينُ هُمُ الَّذِينَ غَيَّرُوهُمْ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَأَمَرُوهُمْ بِالشِّرْكِ، بَلْ كَانُوا مُشْرِكِينَ مِنْ حِينِ وُلِدُوا، تَبَعًا لِآبَائِهِمْ.

وَمَنْشَأُ الِاشْتِبَاهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اشْتِبَاهُ أَحْكَامِ الْكُفْرِ فِي الدُّنْيَا بِأَحْكَامِ الْكُفْرِ فِي الْآخِرَةِ: فَإِنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ لَمَّا كَانَتْ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا مِثْلُ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمْ لِآبَائِهِمْ، وَحَضَانَةِ آبَائِهِمْ لَهُمْ، وَتَمْكِينِ آبَائِهِمْ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ، وَتَأْدِيبِهِمْ، وَالْمُوَارَثِةِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ آبَائِهِمْ، وَاسْتِرْقَاقِهِمْ إِذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ مُحَارِبِينَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، صَارَ يَظُنُّ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَالَّذِي تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ، وَأَرَادَهُ، وَعَمِلَ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>