للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْأَحْكَامُ كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، فَمِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ فِي كِتَابِ " الرَّدُّ عَلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ ": وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ تَفْسِيرِ " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» "، فَقَالَ: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَيُؤْمَرَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّ هَذَا رَجُلٌ سُئِلَ عَمَّا لَمْ يُحْسِنْهُ فَلَمْ يَدْرِ مَا يُجِيبُ فِيهِ، وَأَنِفَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَدْرِي، فَأَجَابَهُ عَنْ غَيْرِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ، فَادَّعَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَنَاسِخٌ هُوَ أَوْ مَنْسُوخٌ، فَكَانَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَسِّرَ الْحَدِيثَ أَوَّلًا إِنْ كَانَ يُحْسِنُ تَفْسِيرًا، فَيَكُونُ قَدْ أَجَابَهُ عَمَّا سَأَلَهُ، ثُمَّ يُخْبِرُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَالَّذِي ادَّعَاهُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَانَ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ مَنْ قَالَ: " سَمِعْتُ كَذَا، أَوْ رَأَيْتُ كَذَا "، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ: لَمْ يَكُنْ مَا أَخْبَرْتُ أَنِّي سَمِعْتُهُ وَرَأَيْتُهُ، أَوْ أَخْبَرَ أَنَّ شَيْئًا سَيَكُونُ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَقَدْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ، أَوْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ، أَوْ قَالَ بِالظَّنِّ، وَكَانَ جَاهِلًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ظَنِّهِ.

وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ يُجَوِّزُ النَّاسِخَ فِي أَخْبَارِ اللَّهِ غَيْرُ صِنْفٍ مِنَ الرَّوَافِضِ يَصِفُونَهُ بِالْبَدَاءِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا! فَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>