فَإِنَّ الْمَانِعَ أَقْوَى، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي حَالِ وُجُودِ مَانِعِهِ بَعِيدٌ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مِنْ أَصْلِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ اسْتَحَقَّ الْمِيرَاثَ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْإِسْلَامُ مَانِعًا وَهُوَ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ لَمْ يُمْنَعِ الْمِيرَاثَ؟ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ بَيْنَ الْأَبِ، وَابْنِهِ كَانَتْ ثَابِتَةً إِلَى حِينِ الْمَوْتِ، وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا عِبْرَةَ بِهِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي ضِمْنِ الْمَسْأَلَةِ: وَاحْتُجَّ بِعَيْنِ الْمُنَازَعِ فِيهِ: بِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ يُوجِبُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ لَهُ عِنْدَكُمْ أَنْ يَرِثَ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِيرَاثِ - مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ - أَوْجَبَهُ الْمَوْتُ، فَهُمَا يَلْتَقِيَانِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِذَا مَاتَ أَبُوكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْمِيرَاثُ، وَالْحُرِّيَّةُ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ - وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ - لَمْ يَرِثْ كَذَلِكَ هَاهُنَا.
قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يَبْطُلُ بِالْوَصِيَّةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَسْتَحِقُّ بِالْمَوْتِ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فَتَحْصُلُ الْحُرِّيَّةُ وَتَصِحُّ بِالْوَصِيَّةِ.
قَالَ: وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ - وَإِنْ كَانَا يَلْتَقِيَانِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ - إِلَّا أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي مَالِهِ إِلَى حِينِ الْوَفَاةِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ لَيْسَ مُعَيَّنًا مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْمِيرَاثِ: كَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ، وَيُفَارِقُ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ، فَلِهَذَا إِذَا الْتَقَيَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَرِثْ.
وَجَوَابٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْصُلَ الْمِيرَاثُ قَبْلَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، كَمَا قَالَ الْجَمِيعُ فِي رَجُلٍ مَاتَ، وَتَرَكَ ابْنَيْنِ، وَأَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ: إِنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ الْأَلْفَ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ، وَتَرَكَ ابْنًا ثُمَّ أَبَرَّا الْغَرِيمَ، أَخَذَ ابْنُ الْمَيِّتِ حِصَّتَهُ بِمِيرَاثِهِ عَنْ أَبِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ حِينَ الْمَوْتِ، لَكِنْ جُعِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute