للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضربه ضربة قطع بها قدمه بنصف ساقه فوقع على ظهره، فزحف على الحوض حتى اقتحم فيه ليبرّ قسمه فأتبعه حمزه فقتله، ثم وقف عليه الصلاة والسلام يحرض الناس على الثبات والصبر وكان فيما قال: «وأن الصبر في مواطن البأس ما يفرّج الله به الهمّ وينجّي به من الغم» . ثم ابتدأ القتال بالمبارزة فخرج من صفوف المشركين ثلاثة نفر: عتبة بن ربيعة، بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فطلبوا أكفاءهم فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار «١» . فقالوا لا حاجة، لنا بكم، إنما نريد أكفاءنا من بني عمنا، فأخرج لهم عليه الصلاة والسلام عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب للأول، وحمزة بن عبد المطلب للثاني. وعلي بن أبي طالب للثالث.

فأما حمزة وعلي فقتلا صاحبيهما، وأما عبيدة وعتبة فأختلفا بضربتين كلاهما جرح صاحبه؛ فحمل رفيقا عبيدة على عتبة فأجهزا عليه. وحمل عبيدة بين الصفوف جريحا يسيل مخ ساقه، وأضجعوه إلى جانب موقفه صلّى الله عليه وسلّم فأفرشه رسول الله قدمه الشريفة. فوضع خده عليها وبشّره عليه الصلاة والسلام بالشهادة. فقال: وددت والله أن أبا طالب كان حيّا ليعلم أننا أحقّ منه بقوله:

ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وبعد انقضاء هذه المبارزة وقف عليه الصلاة والسلام بين الصفوف يعدلها بقضيب في يده. فمرّ بسوّاد بن غزيّة، حليف بني النجار وهو خارج من الصف، فضربه بالقضيب في بطنه وقال: «استقم يا سوّاد» ، فقال: أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثت بالحقّ والعدل، فأقدني من نفسك. فكشف الرسول عليه الصلاة والسلام عن بطنه، وقال: استقد يا سواد، فاعتنقه سواد وقبّل بطنه. فقال عليه الصلاة والسلام: ما حملك على ذلك؟ فقال: يا رسول الله: قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون اخر العهد أن يمسّ جلدي جلدك «٢» فدعا له بخير، ثم ابتدأ عليه الصلاة والسلام يوصي الجيش فقال: ( «لا تحملوا حتى امركم وأن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل «٣» ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم» ثم حضّهم على الصبر


(١) وهم عوف ومعوّذ- ابنا الحارث- ورجل اخر يقال هو عبد الله بن رواحة.
(٢) رواه ابن منده وأبو نعيم وأبو عمر بن عبد البر وقال أبو عمر قد رويت هذه القصة لسواد بن عمرو لا لسواد بن غزيّة.
(٣) رواه ابن اسحاق.

<<  <   >  >>